بقلم المحامي/ هادي الطيف
في أحد الايام جاءت الى مكتبنا امرأة مسيحية كان لأحد أقاربها علاقة بمكتبنا في الثمانينيات من القرن الماضي وعرضت علينا قضيتها قائلة انها على خلاف مع زوجها وقد تركها ولها منه طفلان بدون نفقة او منفق وطلبت اقامة دعوى نفقة لولديها.
أقمنا دعوى النفقة وبعد اجراء المرافعات وتعيين ثلاث خبراء لتقدير النفقة صدر الحكم بإلزامه بأداء مبلغ قدره (٩٠) تسعون دينار شهرياً
طعن بالقرار وأعيد مصدقاً من محكمة التمييز وتم تنفيذ القرار لدى دائرة التنفيذ وبلغ المدين زوجها بدفع النفقة الشهرية ، أستمر بدفع النفقة لعدة شهور واراد التخلص من هذه النفقة واخذ يراجع المحامين ليجدوا له حلاً للخلاص من هذه النفقة
والظاهر انهم اشاروا عليه بطلاق زوجته وبهذا تعود الحضانة له ويتخلص من دفع النفقة ، ولما كان مسيحي الديانة وغير مسموح له بالطلاق أشاروا عليه باعتناق الاسلام وبعده يمكن له طلاقها ، فوافق على اعتناق الاسلام صورياً وتم اشهار اسلامه مع انه بقي على ديانته واستمر على الصلاة في الكنيسة وتم تغير سجل نفوسه وبناء عليه تم تغيير وثيقة الاحوال المدنية له ولولديه ايضاً
وبعد ان تم ذلك اقام دعوى الطلاق وحصل على حكم به واتبع ذلك المطالبة بحضانة ولديه باعتبار ان الحضانه تكون لأشرف الأبوين ديناً ، فأخذ الابن لانه كان يرغب بالبقاء مع والده حيث كان يبلغ (١٥) عاماً من عمره وبقيت اخته مع والدتها واستمر الزوج مطالباً بضمها إليه وهدد باقامة الدعوى لضمها اليه
فراجعتنا موكلتنا وطلبت منا التوكل عنها بقضية الضم (الحضانة) وقالت إنها ستنتحر اذا ضمت ابنتها الى والدها لانها ليس بامكانها الزواج ثانية وانجاب الاطفال كون ديانتهم لاتسمح بذلك وبعد دراستي لدعوى الضم وجدناها ابتداء خاسرة !!
فدرست الموضوع بدقة وتأن واتجهت الى هذا الاتجاه وهو ان الرجل طلق زوجته باعتباره مسلماً واذا ما طلق المسلم زوجته تترتب حقوق لمطلقته وهي دفع المهر المؤجل ونفقة العدة والمطالبة باثاث الزوجية
فأقمت دعوى المطالبة بمهر المثل لانها مسيحية ليس لها مهر مسمى واقمت الدعوى مطالباً بمهر المثل المؤجل ومقداره (٣٠٠٠ دينار)
وكان مبلغاً جسيماً في ذلك الوقت ، فطلب وكيل الزوج رد الدعوى بحجة ان موكله عندما تزوج لم يعين لموكلتي مهراً لا معجلاً ولا مؤجلاً لأنه كان على الديانه المسيحية والديانة المسيحية لا تفرض على المسيحي مهراً عند الزواج فقدمت لائحة جوابيه خلاصتها ان المدعى عليه عندما طلق زوجته كان مسلماً والمسلم عندما يطلق زوجته يجب عليه دفع حقوقها وهذا ما نصت عليه الشريعة الاسلامية السمحاء
وبدورنا لم نطالب بالمهر المسمى وانما طالبنا بمهر المثل
واجلت المرافعة وبعدها أخبرني القاضي بأنه لم يسبق له النظر في مثل هذه الدعوى طيلة مدة خدمته في القضاء فأشرت عليه ان يستفتي مفتي الديار
بسم الله الرحمن الرحيم {واسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون}
فرجع القاضي الى مفتي بغداد وكان الجواب مايلي:-
" ان استحقاق المرأة المطلقة يتوقف على معرفة المذهب الذي تم إشهار الزوج لإسلامه فإذا كان الإشهار لإسلامه على المذهب الجعفري فلا تستحق مهرها وإن كان الإشهار على المذاهب الأخرى فهي تستحقه "
وبناء عليه قررت المحكمة جلب الاضبارة الخاصة باشهار اسلام الزوج وبعد الاطلاع عليها ظهر انه اشهر اسلامه على المذهب الحنفي وبناء عليه قررت المحكمة انتخاب ثلاثة خبراء لتقدير المهر المثل وطلبت مني احضار موكلتي الى المحكمة في الجلسة القادمة وبدوري طلبت من موكلتي ارتداء بدلة ممتازة واستعمال ما لديها من مصوغات ذهبية
وفي اليوم المعين للمرافعة وبعد ان وجد وكيل المدعى عليه اتجاه المحكمة لصالح موكلتي طلب المصالحة لقاء تنازل المدعية عن مهرها مقابل تنازل المدعى عليه عن الحضانة وتثبيت ذلك بقرار الحكم فقلت هذا غير ممكن كما رفض القاضي ذلك ايضاً ولغرض دراسة الموضوع طلبت تأجيل المرافعة لإتمام المصالحة خارج المحكمة وبعد دراسة عرض المصالحة وجدت ان موكلتي عند تنازلها عن مهرها سوف تسقط حقها به ولا يمكنها المطالبة به ثانية واما تنازل المدعى عليه عن الحضانة فلا يسقط ويمكنه المطالبة بها في اي وقت يشاء
فاقترحت على المدعى عليه ووكيله ان يتم عقد المصالحة خارجياً وفق البنود التالية:
١- اقرار المدعى عليه امام المحكمة بانه مستعد لدفع المبلغ وقدره (٣٠٠٠ دينار) ثلاثة الاف دينار وهو المهر المؤجل ( مهر المثل) الى المدعية
٢- يسقط كل طرف حقه في الطعن بالقرار كي يصبح القرار باتاً
٣- يبقى القرار موقوفاً لايحق لموكلتي تنفيذه والمطالبة بالمهر المحكوم به الا في حالة مطالبة المدعى عليه بالحضانة ، يتحمل كل طرف مصاريفه واتعاب المحاماة.
وافق المدعى عليع على هذه الشروط
وبعد التوقيع على عقد المصالحة دخلنا الى المرافعة واقر المدعى عليه بالمهر المقدر وباقراره افهم ختام المرافعة وصدر القرار
رغم انتهاء الخصومة بين الزوجين بقيت هناك مشكلة ديانة ولديهما وبسببها اقيمت دعوتان حيث ان اشهار
والدهما اسلامه تبع ذلك تغيير ديانتهما من المسيحية الى الاسلامية دون ارادتها وعلمهما وتم تغيير هوية الاحوال المدنية من كون ديانتها المسيحية الى الاسلام واما هما فقد بقيا مسيحيين ودعوى تبديل الديانة تعتبر من اصعب الدعاوى واعتقد ان القضاء العراقي نادرا مايصدر مثل هذا القرار وفيما يلي نعرض مسار الدعوتين اللتين اقيمتا بهذا الصدد.