القانون والتاريخ
القانون لا يتآكل عبر السنين بل يتجدد ويتطور ويتقدم مع المتغيرات والمستجدات من الظروف والاحوال ويتلائم مع مفتضيات الحياة الضرورية للانسان وتتجذر قواعده في اعماق الحياة الاجتماعية وفي كل مفاصل قيمها وعاداتها وتقاليدها وسلوكياتها وبما يحقق التلائم والتوافق مع الظروف الراهنة لكل عصر وزمن مستجد في الحياة الانسانية وما يحقق الارتباط الموضوعي بين الحاضر والمستقبل ومع الاحتفاظ بالقيم الاساسية التي نشا عليها وعلى الثوابت التي بنيت عليها القواعد القانونية المنظمة لشؤون ومتطلبات الحياة الانسانية للمجتمع , لذلك نجد ان القواعد القانونية الوضعية الانسانية لها من الخاصية المتفردة بها عن سائر الامور الاخرى المهمة في حياة الانسان بالاحتفاظ بخصوصيتها المبدئية والشرعية وبمظاهرها الشمولية وبقوتها السلطوية والانسانية عبر كل مراحل التطور والتقدم – كما مسلة حمورابي القانونية الشهيرة تراث قانوني عمره اكثر من ثلاثة الف سنة ولا زالت تحتفظ بحقيقتها القانونية والانسانية الرائعة في ما احتوت من قواعد قانونية في غاية من الدقة والتقنين القانوني السليم المنظم لشؤون الناس وادارة مصالح الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية اللازمة لظروفهم وتقاليدهم ومعتقداتهم اتذاك ,وما تبعتها من قوانين متقدمة لدى سائر الشعوب والدول الاخرى عبر مراحل مسيرة الحياة في كل عصر وزمان ومن مواثيق ومعاهدات واتفاقات قانونية بين دول العالم كافة وحتى اليوم .
نرى هناك من المميزات التي ساعدت على احتفاظ القانون باسس منطلقاته الفكرية والانسانية عبر مسيرة التاريخ البشرية وفي كافة مراحلها التاريخية المتطورة.-هي:-
اولا- تلائمه مع متغيرات عوامل وظروف الحياة الانسانية المتجددة .عبر مختلف العصور والازمنة التاريخية وانسجامه مع المنطلقات النظرية بمختلف انواعها واجناسها وقيمها ومع تطلعات الشعوب المستقبلية .
لمراحل التى مرت بها القاعدة القانونية فى نشأتها : -)
يقسم علماء القانون مراحل نشأته بالنظر إلى مصادر القاعدة القانونية وأهمية كل مصدر الى عدة عصور هي-:-
(1)
عهد القوة " الانتقام الفردي أو القضاء الخاص: وأهم ملامح هذه المرحلة أنحفظ النظام فى المجتمع كان يعتمد على القوة ، فلم يوجد قانون بالمعنى
المفهوم لنا الآن. بل مجموعة تقاليد غريزية أو مجرد إحساس وشعور بوجودحقوق وواجبات للناس، والمظهر الخارجي لهذا الإحساس وتلك التقاليد هواستعمال القوة، وارتبطت هذه الملامح بطبيعة حياة الإنسان فى هذه المرحلةحيث عدم الاستقرار والاعتماد على الصيد والصراع مع الطبيعة
.
(2) عهد
التقاليد الدينية (الوحي الإلهي) : وهذا العهد ظهرت القواعد القانونية فى
صورة أحكام إلهية، إذ كان الدين والوحي الإلهي هو المصدر الوحيد الذي
تستمد منه القاعدة القانونية مما جعل لرجل الدين السلطان الأول فى
المجتمع، وظهر القانون على هذه الصورة بعد أن عرف الإنسان الاستقرار
واعتمد على الزراعة فى حياته-
.
عهد التقاليد العرفية:- 3-
- في هذه المرحلة انفصل القانون عن الدين وصار العرف هو المصدرالرئيسي للقاعدةالقانونية ثم وجدت بجانبه مصادر أخرى كالفقه والتشريع.
(4) التدوين:
وترتبط هذه المرحلة باهتداء الإنسان إلى الكتابة فاتجهت بعض المجتمعات إلىتدوين قانونها ونشره بين الناس أما فى صورة مدونات قانونية يصدرها المشرعوتتضمن كل أو بعض ما ساد لدى الشعب من تقاليد عرفية وما أدخله المشرع من تعديلات إذ أصبح مصدر القانون هو التشريع، أما أن تكون المدونات في صورةسجلات عرفية تدون من قبل الأفراد المتخصصون فى شرح القانون، مع التأكيد فىهذا المقام أنه على رغم أهمية مرحلة التدوين إلا أن التدوين لا يعد مرحلةجديدة فى نشأة القاعدة القانونية وإنما كان بمثابة تسجيل لما كان قائم ومطبق من التقاليد العرفية والدينية)منقول(1).
ثانيا- صلته بعمق التقاليد والاعراف واخلاقيات وسلوكيات الشعوب والمجتمعات ومع افكارهم ومعتقداتهم وتفاعله مع كل التفاصيل بدقة ووضوح لاعطاء الرؤية الواضحة عن الصور المناسبة للقواعد التي تحكم وتضبط عمليات الضبط والتقييم والتقويم لكل الاسباب والمشاكل والمعوقات بشكل منطقي وواقعي وموضوعي مستلهم الديمومة من رضا الناس وتبات القواعد والمبادئ التي يستند عليها .
ثالثا- شمولية الافاق في الابعاد الانسانية والاخلاقية لمضامين المنطلقات الفكرية التي يستند اليها في ذلك الظرف والزمن لحماية حقوق وحرية وكرامة الانسان من أي تعدي وعدوان في مختلف الازمنة والامكنة ومواجهة التحديات بقوة السلطة وارادة المجتمع.
رابعا- احترام القانون وابداء الطاعة له من كل فرد او جهة رسمية او غير رسمية اومجتمعية تمثل الوجه الحضاري لذلك المجتمع ومدى تقدمه وتطوره الحضاري والفكري والاخلاقي فهو يمثل الرمز الحقيقي لقيم المجتمع الحضارية المتطورة ومن ذلك يستمد القانون القوة في ثباته ودمومة استمراره المتواكبة مع عوامل واسباب التقدم الحضاري والعلمي والمعرفي عبر كل العصور والازمنة التارخية .
خامسا- الامن والقانون عنصران متلازمان في أي وقت وظرف فلا امن من غير وجود قانون ينظم العلاقة بين الافراد في علاقاتهم الخاصة والعامة وينظم العلاقات بين الافراد والمجتمع والدولة – في أي وقت وزمن ومكان – لا يمكن لاي مجتمع في أي وقت ومكان ان يستغني عن القانون او عن الامن حتى ان تستمر حياته بصورة طبيعية وبامن واستقرار _
سادسا- يمثل القانون دائما ارادة الشعب وابناء المجتمع الذي يمثله في تطبيق احكامه وقواعده ويستمد منه سلطته الشرعية في فرض احكامه القانونية على الناس كافة وعلى الجهات المسؤولة , ليضمن له الثبات والديمومة في مسيرة الحياة الانسانية عبر الازمنة المتغيرة والمتجددة ,
(كان للقانون المصري، الذي يرجع تاريخه إلى 3000 سنة قبل الميلاد، قانون مدني مقسم إلى ما يقرب من اثني عشر كتابًا. فقد اعتمد على مفهوم ماعت، ومتميزًا بالتقاليد، والخطاب البلاغي، والمساواة المجتمعية، وعدم التحيز.[1] وبحلول القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد، قام أورمانو، وهو حاكم سومري قديم، بصياغة أولمدونة قوانين، تتكون من بيانات إفتاء ("لو إذن "). وفي عام 1760 قبل الميلاد تقريبًا، أضفى الملك حامورابي مزيدًا من التطور على القانون البابلي، عن طريق تدوينه على حجر. ووضع حامورابي نسخًا متعددة من مدونة قانونه في جميع أرجاء مملكة بابل كلوحات، يراها جمهور الناس بالكامل، وعرف ذلك بشريعة حمورابي. اكتشف عالم الآثار البريطاني النسخة الأكثر سلامة من هذه اللوحات في القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الحين تمت ترجمتها بالكامل للغات مختلفة، بما فيها الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية. وكانت أثينا القديمة، عاصمة اليونان، أول مجتمع يعتمد على استيعاب واسع للمواطنين، بما في ذلك النساء وطبقة العبيد. ولم يكن بأثينا علوم قانونية، ولم يكن باليونانية القديمة كلمة تطلق على "القانون" كمفهوم مجرد،[2] عوضًا عن ذلك كانت تفرق بين القانون الإلهي (thémis)، والمرسوم الإنساني (nomos) والعرف (díkē).[3] ومع ذلك احتوى القانون اليوناني القديم على ابتكارات دستورية في تطور الديمقراطية.[4]) ويكيبيدياء –الموسوعة الحرة
(إن التاريخ القانوني أو تاريخ القانون هو دراسة كيفية تطور القانون وأسباب تغيره. ويرتبط التاريخ القانوني ارتباطًا وثيقًا بتطور الحضارات ويقع في السياق الأوسع للتاريخ الاجتماعي. كان بعض الفقهاء والمؤرخين للعملية القانونية ينظرون للتاريخ القانوني على أنه تسجيل لتطور القوانين والتفسير العملي لكيفية تطور هذه القوانين مع فهم أفضل لأصول المفاهيم القانونية المختلفة، فيما يعتبره البعض فرعًا من فروع التاريخ الفكري. ونظر مؤرخو القرن العشرين إلى التاريخ القانوني بطريقة أكثر سياقية تتماشى مع تفكير للتاريخ الاجتماعي. فقد اعتبروا المؤسسات القانونية نظمًا معقدة من القوانين، واللاعبين، والرموز واعتبروا أن هذه العناصر تتفاعل مع المجتمع لتغير مفاهيم معينة من المجتمع المدني أو تبنيها أو مقاومتها أو تعزيزها. واتجه هؤلاء المؤرخون القانونيون لتحليل تاريخ القضية من منظور أبحاث العلوم الاجتماعية، وذلك باستخدام أساليب إحصائية، وتحليل الفوارق الطبقية بين الخصوم، والملتمسين، ولاعبين آخرين في العمليات القانونية. من خلال تحليل نتائج القضايا، وتكاليف المعاملات، وعدد القضايا التي تمت تسويتها، شرعوا في تحليل المؤسسات القانونية، والممارسات، والإجراءات، والمذكرات التي تعطينا صورة أكثر تعقيدًا للقانون والمجتمع من التي يمكن أن تصل إليها دراسة الفقه القانوني، والسوابق القضائية، والقوانين المدنية.) (2).
من خلال مسيرة حياة الشعوب نجد ان القوانين لازمت حياتها منذ نشوء المجتمعات المتطورة وتطورت مع تطورها وتقدمها الحضاري والفكري وتركت للاجيال القادمة صروح قانونية راقية في نصوصها وقواعدها واحكامها لخدمة حياة البشرية في تامين الامن والاستقرار لها على مستوى حياة الافراد او على مستوى علاقات الشعوب والدول فيما بينها وهي اليوم حافلة بشتى انواع من القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية الملزمة لكل الافراد والدول على احترامها والالتزام بها نصا ورحا .
كما يتضح ان الشعوب هي التي تصنع وتنشا القوانين الخاصة بها وما تتلائم مع تطلعاتها الفكرية والتنظيمية الرائدة لمعالج المتطلبات الاساسية والحاجات الضروية اللازمة لادامة الاستقرار والتوازن في المنظومة الامنية الشاملة لحياتها وما تعبر عن حقيقة تطورها الحضاري بين سائر الشعوب المتقدمة في عصرها .