بقلم المحامي عارف الشعال
قلة قليلة من الناس تطيق العمل الذي يقوم به فضيلة القاضي الشرعي الأول الأستاذ الجليل "محمود معراوي"، بهذه الأخلاق العالية، والروح السمحة.
قاض يطرق بابه يومياً منذ الصباح الباكر وحتى نهاية الدوام الرسمي مئات من المراجعين، غالبيتهم العظمى من النساء الثكالى المطلقات أو اللواتي فجعتهن هذه الحرب الضروس بأزواجهن بين شهيد أو مفقود أو مخطوف أو معتقل أو هارب، هذه تريد إذناً لسفر محضونها، وتلك تريد صرف مبلغ عائد لوالده، وأخرى تطلب الوصاية عليه لشأن آخر، وأُخرى وأُخرى وأُخرى.....
مئات المراجعات والمراجعين يومياً بمعاملات لا يمكن حصرها، مما اضطر القائمين على إدارة القصر العدلي لفرز اثنين من رجال الشرطة على الأقل للوقوف على بابه لتنظيم دخول الناس لمكتبه ليقضي حوائجهم، فيقف المراجعون بدور طويل على يمينه، ويقف المحامون بدور طويل أيضاً على يساره، والقاضي يتلقف المعاملات يُمنة ويُسرة، فيدقق ويستفسر ويمحص ويتأكد، وقد يضطر لسماع الشهود وتحليفهم اليمين، ويتخذ قرار مصيري خلال دقيقتين أو ثلاثة،
حتى يخفف هذا القاضي من أعباء المراجعين، قام بتفريغ موظف من الديوان يجلس بجانبه خصيصاً ليضع الخاتم الرسمي للدائرة على المعاملة بعد أن يوقعها القاضي، حتى لا يضطر المواطن للعودة للديوان لوضع الخاتم ويشكل ضغط على الموظفين، ويتم استغلاله مادياً من قبل ضعاف النفوس،
تدخل على هذا القاضي في نهاية الدوام، الساعة الثالثة عصراً بعد يوم طويل وحافل بالمراجعين وبعد أن يكون قد أضناه التعب، تراه مازال محتفظاً بهدوئه، ونبرة صوته الوديعة، وأدبه الجمّ، ووجهه السمح اللطيف، يتعامل مع المراجعين بالكثير من الصبر والأناة، يساعد هذه، ويغيث لهفة تلك، بدون أن يتأفف أو يتبرم أو يشعر المواطنين بأفضاله عليهم، كما يفعل غيره.
ناهيك عن أنه المرجع القضائي للعديد من قضاة الشرع الآخرين، وغيرهم.
تخيلوا فقط أن هذا القاضي يتعامل مع المواطنين كما يتعامل المحامي العام الأول أو الثاني، يجعل بابه مفتوحاً فقط للخاصة من الناس، ويغلقه بوجه الباقي، ويجعل مراجعته تتم عن طريق تقديم الأوراق للديوان، والعودة في اليوم التالي لاستلامها، وقد يحتاج المواطن للعودة مرة ثالثة ورابعة، بدون أن يتسنى له أن يرى وجه القاضي، مضطر للتعامل مع موظف عادي يظن نفسه إلهاً!!!
هذا القاضي الفاضل لو فعل ذلك وأغلق بابه بوجه المواطنين، وقنن الدخول إليه كما يفعل غيره، لافترستهم مافيات الفساد والمحسوبية ومزقتهم إرباً وضاعفت من معاناتهم.
هذا هو فضيلة القاضي الشرعي الأول "محمود معراوي"
من حسن حظ الناس أن هذا القاضي الفاضل المؤتمن على أموال الأيتام، متدين وملتزم،
تخيلوا لو كان هذا القاضي فاسد ومرتشي، لا يمكن تخيل مقدار الأموال التي يمكن أن يجنيها من وراء التلاعب ببيع عقارات الأيتام فقط، عدا عن المنافذ الأخرى للفساد التي يمكن أن يتكسب منها.
من سوء حظ هذا القاضي أنه يتعامل مع بعض الإعلاميين المتحذلقين، المغرضين، المتصيدين بالماء العكر، الباحثين عن الإثارة، فيأخذوا من وقته الغالي المخصص لقضاء حوائج المواطنين، دقائق ثمينة للوقوف على رأيه ببعض المسائل التي تهم الناس، فيقتطعون من حديثه الطويل ثلاث أو أربع كلمات، يضعونها بقالب مثير، ومانشيت عريض، فيثيرون عامة الناس بأمور عادية جداً ولا خلاف عليها.
لا يعقل كيف يمكن أن تتطاول ألسنة السوء من أصحاب التعليقات الباردة، لتصل للقول:
((أنتِ خليك بهلال رمضان وبس))
من أنت أيها السخيف والجاهل حتى تتطاول على رجل جليل يمضي جُلّ وقته في خدمة الناس وقضاء حوائجهم؟؟
نحن ننتمي لمجتمع لا يرى غضاضة في الزواج الثاني أو الثالث، هذا المجتمع المحافظ الذي يأخذ بمقاييس الحلال والحرام، يعتبر الزواج الثاني نوع من الحرية الشخصية المباحة، وليس رجس من عمل الشيطان، وبالتالي لم يشذ الرأي الذي أبداه فضيلته عن مقاييس هذا المجتمع أو أخلاقه.
قضاؤنا بات كليلة ظلماء شديدة السواد، الأستاذ معراوي يعتبر أحد البدور القلائل فيها، نحن بأمس الحاجة له ولأمثاله من القضاة الأفاضل النادرين،
فشدّوا على يديه وادعوا الله أن يبقى في مكانه.