الاستقالة إجراء إداري
الاستقالة إجراء إداري يعبر فيه الموظف عن إرادته في إنهاء الصلة التي تربطه بجهة الإدارة، وعليه يجب أن تكون إرادة الموظف في الاستقالة إرادة سليمة خالية من العيوب، فلا يكون الموظف قد تعرض إلى أي نوع من الإكراه على الاستقالة أو التدليس عليه.
الاستقالة |
والاستقالة حق من حقوق الموظف الأساسية التي كفلها له قانون الموارد البشرية لحكومة دبي رقم 27 لسنة 2006، حيث دلت المادة 211 على أنه للموظف الاستقالة من وظيفته في أي وقت إذا كانت الاستقالة مكتوبة، فلم يعتد القانون المذكور بالاستقالة اللفظية ولم يعتبر الانقطاع عن العمل استقالة ضمنية، بل يجب أن يكون التعبير عن الاستقالة واضحاً مثبتاً بالكتابة وهي من أوثق طرق الإثبات، وقد أحسن المشرع في ذلك لما يترتب عليها من التأثير على المركز القانوني للموظف.
ومن ناحية أخرى، قيد القانون نفاذ الاستقالة بصدور قرار من جهة الإدارة بقبولها، ولم يشترط أن يكون قرار الإدارة مكتوباً كما اشترط على الموظف عند تقديم الاستقالة، وكان من الأجدى والأعدل أن يشترط صدور قرار إداري مكتوب بقبول الاستقالة، حفاظاً على حق الموظف في إثبات التاريخ الذي يبدأ منه سريان الأثر القانوني للاستقالة. كما سكت المشرع عن تنظيم الإجراءات الواجب اتباعها في حال رفضت الإدارة طلب الاستقالة، وما إذا كان يحق لها ذلك ابتداءً.
وفي سكوته عن تنظيم هذه المسألة إشكالية إجرائية تقتضي تطبيق القواعد العامة في القانون الإداري، فالمنطق يقتضي أنه كما أعطى المشرع الإدارة الحق في قبول الاستقالة، وذلك بعدم إنفاذها إلا بالقرار الصادر بقبولها، فمن باب أولى يكون لها الحق في رفض الاستقالة، وإلا لما كان لمهلة الأسبوعين التي نص عليها المشرع لإصدار قرار قبول الاستقالة، أي دور أو قيمة سوى تأخير استقالة الموظف.
وعليه يحق للإدارة أن ترفض طلب الاستقالة متى جاء قرار الرفض مستوفياً لكافة أركان وشروط القرار الإداري، وبعيداً عن التعسف في استعمال الحق ويهدف إلى الحفاظ على مصلحة العمل وأن يكون قرار الرفض مسبباً، وإلا جاز للموظف التظلم عن قرار الرفض وإثبات تعسف الإدارة في هذا القرار وطلب سحبه أو إلغائه.
وسكت المشرع أيضا عن ذكر السلطة المختصة بقبول طلب الاستقالة، فجاء النص على إصدار القرار بقبول الاستقالة مبنياً على المجهول، وكان من الأفضل النص على إعطاء هذه الصلاحية لسلطة المدير العام أو من يفوضه، أو للسلطة المختصة بالتعيين التي ذكرها المشرع في المادة (41) من القانون نفسه.
وعليه وفي ظل هذا الغموض، ينبغي إعمال القاعدة العامة التي تقتضي أن السطلة التي تملك التعيين ابتداءً هي التي تملك إنهاء الخدمة، ومن الناحية العملية لا يجوز لغير سلطة المدير العام أو السلطة المختصة بالتعيين، أن تصدر القرار بقبول الاستقالة.
وتحتسب مهلة الأسبوعين بحسب عموم نص هذه المادة، بأربعة عشر يوماً تبدأ في التاريخ التالي لتقديم طلب الاستقالة، بحيث يكون اليوم التالي لها هو يوم قبول الاستقالة حكماً بموجب القانون. وقد أحسن المشرع في صياغة هذا النص من وجهين، الوجه الأول أنه قدر مدة أسبوعين فقط لاعتبار الاستقالة مقبولة بموجب القانون.
وهي مدة عادلة ومنصفة للطرفين، فهي في الغالب ليست مدة طويلة تؤدي إلى الإضرار بالموظف أوضياع السبب الذي قدم من أجله الاستقالة، وفي الوقت نفسه هي فرصة مناسبة وكافية جداً لجهة الإدارة لتقييم قدرتها على توزيع الضغط الوظيفي المترتب على استقالة الموظف أو تعيين الموظف البديل.
وبالتالي يكون المشرع قد وازن بين مصلحة الطرفين في الاستقالة موازنة جيدة. أما الوجه الثاني الذي أحسن فيه المشرع، فهو أنه اعتبر الاستقالة مقبولة بمضي المدة، دون أن يرهق الموظف أو الإدارة بأية إجراءات إدارية جديدة كإعادة الطلب أو التظلم عن عدم الرد.
وتثور المشكلة في حال قام الموظف بالتعبير عن رغبته في سحب الاستقالة، فالمشرع لم يحدد إجراءات أو مواعيد أو شروطا لسحب استقالة الموظف، الأمر الذي يعيدنا مرة أخرى إلى القواعد العامة في القانون لحل هذه المشكلة. وعند التحليل نجد هذه الإشكالية على صورتين، الأولى سحب الاستقالة قبل صدور قرار القبول وقبل مضي المهلة، والصورة الثانية سحب الاستقالة بعد صدور قرار القبول أو بعد مضي المهلة.
ففي حال طلب الموظف سحب استقالته قبل صدور القرار وقبل مضي المهلة، فيمكن القول بأن إرادة الموظف لم تصادف قبولاً من الإدارة وبالتالي لا تزال استقالته غير منتجة لأي أثر قانوني لأنها مشروطة بصدور قرار قبول الاستقالة، فلا تزال استقالة الموظف خاضعة له ومن حقه أن يعدلها أو يلغيها بالصورة التي توافق إرادته، كما أن تحديد القانون للمدة التي يجب على الإدارة الرد فيها على طلب الاستقالة، إنما هي لحماية مصلحة الموظف وحقه في الاستقالة.
وبالتالي يجوز أن يسحبها خلال هذه المهلة ما دام غرض النص متحققا في ذلك، وهو حماية مصلحة الموظف من تعسف الإدارة في تأخر الرد عليه. وهذا ما أخذت به لجنة التظلمات المركزية في حكومة دبي في أحكامها، حيث إنها ألغت في أحد أحكامها قرار جهة حكومية محلية برفض سحب استقالة موظف، مستندة إلى أن "رجوع الموظف في استقالته إذا كان بتاريخ سابق لقرار جهة الإدارة بقبولها يرفع يد الإدارة عنها".
أما في حال صدور القرار بقبول الاستقالة فلا يجوز للإدارة سحب هذ القرار متى ما صدر سليماً من عيوبه، وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار المراكز القانونية التي تنشأ عن القرارات الإدارية، وتنزيهاً لجهة الإدارة من العبث في إصدار وسحب القرارات الإدارية.