بحث الأسس الجامدة والظالمة لقواعد وأصول دعاوى التخمين
بحث الأسس الجامدة والظالمة لقواعد وأصول دعاوى التخمين |
بقلم القاضي القدير حسين احمد / سوريا
فيما سلف من زمن , ولدواعي اجتماعية واقتصادية ألمت بالقطر , كما حصل في كثير من بلدان العالم ، بادر المشرع فتدخل في مجال العلاقات الإيجارية , فهو وبسبب من هذه الدواعي حد وبشكل جلي وواضح من المبدأ المعروف بأن العقد شريعة المتعاقدين , وهو في تدخله هذا قيد كثيراَ من سلطان الإرادة وحرية التعاقد وقد تجلى هذا الأمر كثيراَ في ظل نفاذ أحكام قانون الإيجار القديم الصادر بالمرسوم التشريعي ذي الرقم ( 111 ) لعام 1952 وتعديلاته المتعددة , لا بل إن هذا التدخل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما منع المشرع وبموجب تشريع خاص , رفع بدلات إيجار عقارات مستأجرة بتاريخ معين. وبالمقابل وللتخفيف من آثار هذا المبدأ , أوجد المشرع ما بات يُعرف لدى المعنيين , بالحق في رفع دعوى تحديد البدل ..
وهذه الدعوى من حق المالك أو المؤجر رفعها كل ثلاث سنوات , حيث تُزاد الأجور بموجب دعوى تُقام أمام محكمة الصلح المدنية , وفق نسبة معينة , وذلك بعد أن تقوم المحكمة بإجراء الكشف والخبرة على العقار موضوع الدعوى , بمعرفة خبير أو ثلاثة خبراء , يقومون بتقدير القيمة التخمينية لهذا العقار , ولاحقاَ إذا اعتمدت المحكمة هذا التقدير , تصدر حكماَ برفع البدل بنسب معينة تعادل ( 5% ) في العقارات السكنية و ( 7% ) في العقارات التجارية , وهناك نسب أخرى تخص المدارس ودور المحاكم وسواهما .....
ذكرنا أن المشرع تدخل , وأيضاَ فيما سبق من تاريخ ولنفس الأسباب , فأصدر تشريعاَ يمنع تخمين العقارات المؤجرة قبل تاريخ معين , ولكن المشرع مؤخراَ ألغى هذا التشريع , بموجب قانون الإيجار ر ( 6 ) لعام 2001 وهذا القانون كان يمنع رفع دعوى التخمين بخصوص هذه العقارات , أما قانون الإيجار رقم ( 6 ) لعام 2001 فنص على زيادة بدلات هذه العقارات بمعدل خمسة أمثالها , على أن تعود هذه العقارات لتخضع لقاعدة التخمين بعد ثلاث سنوات , وهذا القانون على الغالب هو سبب تدني بدلات إيجار بعض العقارات الخاضعة له.
وفي العموم تدني بدلات إيجار العقارات , السكنية أو التجارية , وخصوصاَ التي تستأجرها الدولة يعود إلى الأسس المعتمدة في التخمين , والى ما بات يُعرف بمبدأ حماية المال العام , أو إلى الأسس الجامدة والظالمة لقواعد وأصول دعاوى التخمين. ذكرنا أن تحديد البدل يخضع لأسس معينة , وخبراء المحاكم هم من يقومون بتطبيق هذه الأسس لتحديد القيمة التخمينية للعقارات , لكي يقوم القاضي بحساب الأجور وفق نسب معينة , كما سلف ذكره أعلاه وهؤلاء الخبراء على الغالب يحاولون مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للقطر , ولكن مهما كانت درجة هذه المراعاة , هي لا تصل إلى الدرجة التي تُرضي المالك , ذلك أن هذه العلاقات محكومة بنصوص قانونية واجتهادية لا يجوز مخالفتها , وبالتالي تبقى هذه البدلات دون الطموح وخصوصاَ للملاك وهي تختلف من حيث المقدار عن البدلات الرضائية التي يتم الاتفاق عليها , في معرض العلاقات الايجارية الخاضعة لقانون الإيجار الجديد رقم ( 20 ) لعام 2015 والتي تحكمه قاعدة العقد شريعة المتعاقدين. وما يزيد من معاناة الملاك في مثل هذه الحالات , أن المحاكم ووفق قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد لم تعد تقبل بموضوع رفع هذه الدعاوى من قبل المواطنين ,
بل لا بد من إقامة مثل هذه الدعاوى من قبل محامين , إلا في حالات معينة ومحددة بنص القانون. هذا الواجب زاد في الكلفة المالية لمثل هذه الدعاوى , فالدعوى التي يرفعها المالك لتقدير أجور عقار يملكه فيه مستأجر وفق القانون القديم , للدولة أو لأشخاص عاديين , تجارياَ كان أم سكنياَ , هي ووفق قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد , تحتاج إلى محامي أو أكثر , حسب فيما إذا كان العقار مملوكاَ لورثة أم لا , وهذه العقارات أغلبها مملوكة لورثة , والمحامي يحتاج إلى توكيل والى أتعاب للعمل في هذه الدعوى كما هي تحتاج إلى رسوم ومصاريف قضائية وأجور خبير أو خبراء من المهندسين لتقدير القيمة , وفي حال لم يدفع المستأجر الأجور , هي بحاجة إلى دعوى جديدة للمطالبة بهذه الأجور , وكل هذه الإجراءات أو المعاملات مكلفة مادياَ , وهي في حال صدر الحكم بزيادة الأجور , هذه الزيادة قد لا تتعدى نسبة الـ ( 30 % ) أو أكثر بقليل , عن الأجور السابقة ,
وهي قد تستغرق زمناَ طويلاَ , وكثيراَ ما حصل أن انتهت مدة السنوات الثلاث , ولم تنتهي مثل هذه الدعوى , مما دفع المالك لرفع دعوى ثانية بنفس الموضوع , عن المدة الجديدة , وهذه الكلفة من الناحية المالية , قد تزيد على ما قد يصيب المالك من زيادة في الأجور لذلك نرى الكثير من الملاك يحجم عن إقامة مثل هذه الدعاوى , لعدم الجدوى الاقتصادية في الغالب وأحياناَ هي تُقام لا لغاية زيادة البدلات والأجور , وإنما بسبب الكيد والحقد من المالك على المستأجر , هذا المالك الذي يشعر أن المستأجر اغتصب عقاره , بأبخس الأجور , بسبب تدخل المشرع في مجال هذه العلاقات. والحل الأمثل في مثل هذه الحالات , وأمام مثل هذه الكلف الكبيرة والمرهقة مادياَ , والتي من الممكن أن لا تعود بأي جدوى اقتصادية على المالك , من المستحسن , بل من العدل والمنطق , أن تكون مثل هذه الزيادات عن طريق مفاوضات ودية أو لجان إدارية ,
أو قرارات إدارية من الجهات المعنية , وخصوصاَ فيما إذا كانت العقارات مما هو مأجور للدولة , لا للأفراد , وفي حال لم تجد هذه الزيادة بمثل هذه الطرق الرضا لدى المالك , أن يكون من حقه مراجعة المحاكم المختصة , ورفع الدعوى اللازمة لتثبيت هذه الزيادة أو رفعها حتى تلبي طموحه , وفق الأسس القانونية المعمول عليها والمعروفة , وبذلك قد يكون مثل هذا الإجراء من باب العدالة في انتفاع الإنسان بما يملك من عقارات.