لا تلوموا القضاء .. بل لوموا انفسكم ..
لا تلوموا القضاء, بل لوموا انفسكم |
كثير هي التصرفات القانونية التي ينشئها الشخص مع الاخرين في حياته اليومية من بيع او امانه او ايجار او وديعة او قرض او غيرها ، وعند المنازعة و الاختلاف يلجأ للقضاء ليحكم له ويعيد له حقه .. هذه التصرفات احيانا تكون بملايين الدنانير او الدولارات ولا شيء يوثقها باحسن الاحوال سوى شهادة الشهود الذين كانوا حاضرين مجلس التصرف القانوني ، فعندما يلجا للقضاء ليحكم له بما اختلف به مع الطرف الاخر يستعين بالشهود فترفض المحكمة شهادة الشهود ، لا طعنا بنزاهتهم ، ولا ميلا للطرف الاخر ، ولا توهينا للمدعي ! بل لان القانون اخذ برقبة القضاء ان لا يستمع لشهادة الشهود لتوثيق التصرف اذا زاد المبلغ عن خمسة الاف دينار عراقي .. فيبقى الدائن - بمعناه العام - حائرا كيف يثبت حقه فتمنحه المحكمة حق وهو ، تحليف خصمه اليمين الحاسمة، فان اداها فقد برئ المدعى عليه من المديونية . وتزداد نقمة الدائن الذي يعتقد بصحة دعواه عندما يحلف خصمه اليمين الحاسمة فيتهمه بالكذب بأداء اليمين ويجعل من القضاء محلا لسخطه او نقمته لأنه- حسب اعتقاده- لم يجلب له حقه المسلوب كما يراه هو ..
اقول لهؤلاء لا تلوموا القضاء بل لوموا انفسكم اولا واخيرا.. لان الغالبية من المتقاضين امام المحاكم هم من المسلمين استنادا لنسبتهم السكانية، وكل منهم يتشرف ان يصف نفسه بانه "مؤمن" ، لكن الملاحظ بهؤلاء انهم هجروا وبتعمد وسبق اصرار العمل بأطول اية قرآنية وهي اية المكاتبة ،الآية 282 من سورة البقرة التي تحفظ حقوقهم و التي خاطبت "المؤمنين" خطابا مفصلا بان يوثقوا عقود المداينة بينهم استيثاقا ودفعا للنزاع، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) على ان يقوم المدين بأملاء مندرجات التصرف القانوني، ويقوم الكاتب بالعدل بالتدوين ولا يحرف من الاقوال شيئا (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ) وان يستشهدوا شهيدين من الرجال او رجل وامرأتان لحكمة يعرفها الله ووضحها في الاية (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى )وبينت الاية لابد من كتابة التصرف القانوني سواء كان كبيرا او صغيرا(وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ) وذكرهم الله بان ذلك يجمع ثلاث فوائد: وهو القسط عند الله واثبت للشهادة ولكي لا تشكوا في اصل الحق او الدين واجله (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا). ثم حذر الله سبحانه وَإِنْ تَفْعَلُوا: ما نهيتم عنه، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ: اي خروج عن الطاعة لاحق، بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ: في أمره ونهيه، وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ: مصالح أموركم ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
فلماذا لا يعمل الشخص بهذه الآية وخصوصا ان الخطاب القرآني متوجه له، قاصد نحوه؟ هل هو الجهل بالاية القرآنية وحكمها؟ ام الثقة الزائدة بالطرف الاخر التي جعلته يركن لضميره او تدينه؟ عندما يتنازل الشخص عن وسيلة توثيق اقرها الله عزوجل له في كتابه العزيز ويطالب القضاء البشري ان يسترد حقه في ظل تنازله هذا فهو حقا غافل عن حقه وعن وسائل حفظ حقه .
ان الآية القرآنية جاءت منسجمة مع الطبيعة البشرية التي تحمل بين طياتها الايمان والكفر والوفاء والغدر والصدق والكذب فجعلت بين هذه الصفات المتناقضة برزخا يفصل بينها الا وهو التوثيق وكتابة العقود واستشهاد الشهود .
لذا حري بالشخص ان لا يلوم القضاء بل يلوم نفسه، ان اهدر العمل بأطول اية في القران.
قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُم اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾