مسيس الحاجة إلى تحديد درجات الترافع أمام المحاكم
مسيس الحاجة إلى تحديد درجات الترافع أمام المحاكم |
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من نبي بعده ،،،
قد يظن البعض أن هذا الرأي أو الإقتراح بتحديد درجات الترافع أمام المحاكم فيه تحجيم لدور المحامي عن الإضلاع بواجبه المهني على نحو يزيد من خبراته ويثقل قدراته المهنية، وأن فيه هضم لحقوق ذوي القدرة والكفاءة والزج بهم في أُطر ضيقة تمنعهم من الخلق والإبداع، وتكون سبباً في تحجيم الإمكانات و القوقعة في مجالات محددة، مع أن الواقع خلاف ذلك فتحديد درجات الترافع أمام المحاكم فيه من المزايا الكثيرة بالقدر الذي لا يمكن تجاهلها فيكفيه فقط أنه يحفظ الحقوق ويوفر الوقت والجهد للمحامي وموكله ، ويغلق باب إتخاذ القضايا حقلا للتجارب، فالمحامي قليل الخبرة عندما تعرض عليه قضية كبيرة يتمسك بها لعدة أسباب منها الكسب المعنوي وتحقيق الشهرة ومنها أكتساب خبرات جديدة وأكتشاف خفايا غير معلومة لديه، وهذا الوضع يجعل موكله حقل تجارب، فقلة الخبرة وعدم المعرفة الكافي يعيق الوصول إلى العدالة، ويهدر الوقت والجهد معاً.
إن دراسة القضية ومعرفة مدى القدرة في تقديم العون والتمثيل القانوني فيها أمر مهم حتى لا يهدر حق الموكل، لكن الواقع المؤلم أن كثيرا من المحامين الكبار لا يعبأ بالقضية التي تعرض عليه من حيث المعرفة والقدرة على تقديم ما هو أفضل، وتمثيل موكله على أكمل وجه ، فكيف يكون الحال مع المحامي حديث التخرج، بالطبع سوف لن يراعي هذا الجانب المهم، وهذا أيضا من العوامل التي تجعل من تحديد درجات الترافع أمام المحاكم أمر في غاية الأهمية،وذلك من خلال أن يجاز المحامي للمرافعة أمام بعض المحاكم دون غيرها، بحسب الخبرة العملية وسنوات العمل في المهنة ، فالناظر إلى القضاء يجد أن القاضي لا يترك له المجال بالنظر في كل قضية تعرض عليه بل تحدد له صلاحية النظر والفصل في الدعوى بحسب درجته في السلم القضائي، وليس ذلك فحسب فمنذ بداية تعيينه في القضاء يسمى ملازما قضائيا أو مساعدا قضائي،
ثم قاضي درجة ثالثة ثم قاضي درجة ثانية، ثم قاضي بالدرجة الأولى، ثم قاضي محكمة عامة، وهكذا يظل يترقى كلما أزداد خبرة فيمر بمرحلة قضاء الأستئناف إلى أن يصل إلى قاضي بالمحكمة العليا ثم المحكمة الدستورية كأعلى سقف قضائي وإن كانت المحكمة العليا ليست درجة من درجات التقاضي وإنما هي محكمة قانون، فالشاهد من ذلك أن هناك تدرج و توزيع لولاية القضاء تحكمه الخبرة والتراكم المعرفي للمهنة، الغاية من هذا التدرج تحقيق التيسير للمتقاضين والسرعة حسم المنازعات، وينعكس مردوده في تقليل نسبة الأخطاء.
لكن أن يترك الحبل على القارب فتجد المحامي تحت التمرين يتنقل في تقديم المرافعات في محاكم تفوق قدراته وخبرته، وأن تجد المحامي حديث التخرج والترخيص يترافع في كل المحاكم ويقدم خبراته للوكلاء في جميع القضايا دون أن تكون هناك شروط معينة يتقيد بها في تحديد المرحلة المسموح له بالترافع فيها كالمحاكم الابتدائية،و محاكم الاستئناف، وما يحتاج إليه في كل مرحلة من مؤهلات كالخبرة العملية ومدة الخدمة ومدى الالتزام بالنظم واللوائح النقابية ومستوى الأداء المهني ونحو ذلك، وحبذا وضعت قيودا لذلك كأن يشترط لقيد المحامى أمام محاكم الإبتدائية أن يشتغل بالمحاماة مدة لا تقل عن خمس سنوات، وأن يشترط لقيد المحامى أمام محاكم الاستئناف أن يشتغل بالمحاماة مدة لا تقل عن سبع سنوات متصلة دون انقطاع من تاريخ قبوله بجدول المحامين وعشرة سنوات بالمحاكم العليا والدستورية، وعلى المحامي أن يتقدم بكل يؤكد أهليته كتقديم أعماله وأبحاثه و ومذكراته القانونية، وغيرها من إنجازات تحسب في رصيده المهني.
ومما لا أختلاف عليه، أن أخطاء المحامين في المحاكم محسوبة حتما على موكليهم، إياً كان هذا الخطأ، قصوراً في التمثيل ناتج عن قلة إلمام بالقانون، أو فهم خاطئ للإجراءات، أو فشل في تقديم الدفاع الجيد، وغيرها من الأخطاء المهنية الكثيرة التي يرتكبها المحامي، والتي لها ارتباط وثيق بالأصول الفنية لمهنة المحاماة ، يترتب عليها تضييع كثيراً من الحقوق وإهدراً للوقت والجهد ،وإن الحل الأمثل لتلافي الكثير من هذه الأخطاء هو تحديد درجات الترافع أمام المحاكم ،فيحصل المطلوب فلا يتجاوز المحامي الدرجة المسموح له الترافع فيها، فتقل الأخطاء مع تعزيز الثقة لدى العملاء بعدم حدوث أي هفوات أو تقصير، إضافة إلى تمكين المحامي نفسه من إتقان عمله بكل دقة ومهارة وسرعة ، ولا تخفى أهمية الدقة في العمل والسرعة كعنصرين مهمين في عمل أي محامي.
أبوأيوب.