في رحاب "المانع الأدبي" بين المدني والبينات
في رحاب "المانع الأدبي" بين المدني والبينات |
المحامي عارف الشعَّال
أبرم شقيقان عقداً كتابياً بينهما اشترى بموجبه أحدهما عقار من الآخر، وكان الشاري كلما دفع قسط من الثمن حصل على سند خطي بالدفعة من شقيقه البائع، وبالتالي صار بين الشقيقين تواتر في توثيق معاملتهما المالية هذه بالسندات الخطية، ما يشي باعتيادهما الكتابة.
انقضت سنوات طويلة على هذا البيع زادت عن الـ 15 سنة، دون تسجيله رسمياً بالسجل العقاري،
بعد وفاتهما قام ورثة الشاري بمقاضاة ورثة البائع طالبين تسجيل البيع بالسجل العقاري،
دفع ورثة البائع الدعوى بانقضائها بالتقادم الطويل، وبأن المانع الأدبي بين الطرفين مهدور بحسبان أن الشقيقين اعتادا الكتابة.
رفضت الغرفة العقارية في محكمة النقض هدر المانع الأدبي بين الشقيقين بالرغم من توثيق علاقتهما بالكتابة، وميزت بإبداع متناه نادر بين المانع الأدبي المنصوص عليه في المادة 57 بينات، والمانع الأدبي المنصوص عليه في المادة 379 مدني،
وخلصت محكمة النقض إلى أن اعتياد الكتابة الذي يهدر المانع الأدبي في قانون البينات فيمنع من الإثبات بالشهادة، هو شيء آخر يختلف تماماً عن المانع الأدبي في القانون المدني الذي يقطع التقادم والذي لابد للأخذ فيه من التقاضي والمعاداة بين الطرفين، وليس اعتياد الكتابة فحسب.
وذكرت المحكمة في تبريرها لهذا النهج العميق الحيثيات التالية:
((يختلف الأمر بين المانع الأدبي المقرر في قانون البينات /المادة 57/ وهو المقرر لجواز الإثبات بالشهادة بالمطلق وأثر هذا المانع على المعاملات، وبين المانع الأدبي من إقامة الدعوى للمداعاة بالحق المكتوب بموجب سند أو سواه المنصوص عليه بالمادة 379 من القانون المدني، وأثره على المعاملات.
فالأول: يقوم على جواز الإثبات بالشهادة بشكل مطلق في حال وجود مانع أدبي، فأرسى مبدأ هو استثناء من الأصل في قواعد الإثبات، غير أنه لم يجعل هذه القاعدة مطلقة، بل أبقاها موجودة مع وجود حالة الحرج من الحصول على دليل كتابي (المانع الأدبي) فإن زال الحرج وتبين وجود اعتياد في الكتابة بين الطرفين، زال هذا الاستثناء وعادت الأمور لتطبيق أصول الإثبات بالشهادة.
أما الثاني: وهو المانع الأدبي المنصوص عليه في القانون المدني فقد أقره المشرع كسبب من أسباب وقف التقادم طالما أن هذا المانع الأدبي قائماً وموجوداً، وذلك تأسيساً على أن هذا المانع هو الذي منع المدعي الذي حصل على السند من شقيقه كوسيلة تحفظية، من مداعاة هذا الشقيق طيلة هذه المدة، لما ينطوي عليه الادعاء من معاني المعاداة وهدر رابطة القرابة وتهديدها بالتصدع والانهيار))
فضلاً عن ذلك فإن محكمة النقض أتحفتنا أيضاً بشرح مسهب لمعنى قرابة الحواشي تمييزاً لها عن قرابة الأصول والفروع قائلة:
((إن الأشقاء يعتبرون من قرابة الحواشي، والتي تحسب اعتباراً من الشخص طالب الإثبات، من الأصل المشترك، ومنه إلى فرعه، وتعد الدرجات صعوداً من الفرع للأصل المشترك، ثم نزولاً منه للفرع الآخر،
وبالتالي فإن قرابة الحواشي تبدأ بالأخوّة وتنتهي عند العم والعمة والخال والخالة))
وجبة غنية من المعرفة القانونية نلتهمها بشراهة من هذا القرار الدسم فعلاً.