بقلم الاستاذة / اميمه خطاب / استاذة جامعية وباحثة بمرحلة الدكتوراه
ملف سجن النساء ونزيلاته في ليبيا والكثير من دول المنطقه لطالما كان ملفاً منسياً متاُثراً بالسياقات الاجتماعيه و الثقافيه والدينيه. اليوم وبعد التطورات الدوليه في مجال معاملة السجينات خاصتاً إصدار قواعد ﺍﻷﻣﻢ المتحدة لمعاملة ﺍﻟﺴﺠﻴﻨﺎﺕ (ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺑﺎﻧﻜﻮﻙ) عام 2010 وفي ظل الاوضاع السياسيه علي الصعيد المحلي يمكن وصفه بانه من الملفات التي يجب وضعها على طاولة النقاش. هذا المقال يتناول الملف عارضاً أوجه القصور في القانون الليبي فيما يخص معاملة السجينات ويطرح بعض الأفكار المحتمله للإصلاح وفي نفس الوقت يُسلط الضوء علي مايمكن ان يواجهه هذه الأفكار من تحديات يفرضها واقع الحال. لا يغيب على المحقق والمدقق والمحلل للقانون الليبي بشأن مؤسسات الإصلاح والتأهيل والإعلان الدستوري المؤقت وتعديلاته وهما ما يقررا حقوق السجناء وسير العمل في قطاع السجون بالدوله ان معامله النساء السجينات في ظل هذه التشريعات يعتريها غياب المنظور الجندري والقصور في تقديرالاحتياجات الصحيه والتأهيليه الخاصه بهذه الفئه من السجناء. ان النصوص القانونيه الحاليه ايضاً وبشكل واضح لا تتسق مع المعاهدات الدولية لمعامله النساء بالأحتجاز.
سجن النساء الملف المنسي |
فمن يحلل تلكم النصوص يلاحظ بسهوله انه وبأستثناء بعض المواد المتعلقه بالسجينه الحامل لا يوجد في القانون الليبي اي ماده تقرر كيف يتم التعامل مع بقية السجينات و إدارة شئونهن او حول الإستجابه لإحتياجتهم المختلفه. من عيوب قانون مؤسسات الإصلاح والتاهيل علي سبيل المثال لا الحصر انه عندما قرر الفصل بين فئات السجناء بحسب شده الجُرم والعمر لم يذكر ماله علاقه بالفئات المختلفه للسيدات في الإحتجاز مثل ضحايا الاتجار بالبشرومن لهن تاريخ من العنف الجسدي والنفسي. إيضا لا إشاره الي منشآت إستحمام ملائمه للمرأه او لتزويد السجينات بمستلزمات النظافه الشخصيه كالفوط الصحيه ومايتبعها .لا يوجد فالقانون إشاره الي ضرورة تقديم خدمات صحيه حساسه للنوع الاجتماعي سواءً في مجال طب النساء او الرعايه الوقائيه من سرطان الثدي وعنق الرحم او العدوى المنتقله من الام للطفل. لم تُذكر اي اليات خاصه لتقديم الشكوي ضد إدراه السجون في حال تعرض السجينه الأنثى لسوء المعامله الجسديه او النفسيه.
لا يوجد اي تعليمات حول توفير مترجمين بعدة لغات اجنبيه للتعاطي مع السجينات الاجنبيات.لا يوجد اي إشاره الي ضروره وجود خطة عمل مكتوبه تحد من السلطات التقديريه لإداره السجن عموماً و في فرض العقوبات التاديبيه عي السجينه الحامل خصوصاً الخ. من الناحية النظريه, كل المعطيات تؤكد ان الحاجه ماسه وماسه جداً للإصلاح في القطاع السجني والبدايه هي إصلاح النص القانوني . لسان الحال يقول انه لابد وأن يتم توعية صناع القرار بالخلل الخطير بالتشريعات.
لابد من مراجعة النصوص الحاليه وتغيير القانون بواسطه اشخاص مؤهلين ولهم معرفه واسعه وخبره في مجال المعايير الدوليه لمعامله السجناء وبالاخص ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺑﺎﻧﻜﻮﻙ الاَنفة الذكر. يجب تشكيل لجنه يُضمن فيها التمثيل العادل للعنصر النسائي من قانونيات ومستشارات فالشؤون الجنسانية وممثلات لجمعيات حقوق المرأه فهن الاقدرعلي تقييم الوجه الأمثل لمعامله المرأه السجينه وتقدير ما تحتاج إليه. دراسات كثيره في دول مختلفه من العالم اثبتت ان سبب معاناة النساء في نظام العداله الجنائيه انه نظام مُهيمن عليه من قبل الذكور مما جعل المرأه تحته توصف بانها غير مرئيه.
.للحيلوله دون ذلك, لابد وان تُنشاء لجنه عليا لسجون النساء تُخرج لنا ﻧﻈﺎم ﺗﺄﺳﻴﺴﻲ ﻧﻤﻮذﺟﻲ لسجون النساء وسياسات واضحه لإدارة هذه المؤسسات التي تأوي فئات من خلفيات متفاوته وبمشاكل لا تشبه بعضها وبتاريخ من العنف والفقر والاضطهاد وبإحتياجات صحيه لو اهملت ستُهدد الصحه العامه. كل هذا يجب ان يتم في ضوء مااستقر عليه الضمير العالمي واقرته الامم المتحده بالخصوص. هذه الافكار الاصلاحيه قد تبدو منطقيه وممكنه للوهله الاولى, ولكن السؤال هل واقع الحال في ليبيا اليوم يُبشر بإمكانية تحقيقها؟ للأسف قرأتنا للواقع تقول ان مايحدث اليوم في في ليبيا قد يعرقل هذه الأفكار ويجهضها . ففي الوقت الذي تتفق فيه كل شعوب الارض ويستقر الضمير العالمي علي مبادئ ثابته متطوره لمعالمه السجينات تعززحقوقهم كبشر بغض النظر عن جرمهم دينهم عرقهم خلفياتهم ليتم تضمينها في دساتير كل الدول, تعلو الاصوات والمطالبات في ليبيا لجعل الشريعه الاسلاميه المصدر الوحيد الاوحد لكل قوانيين البلاد بما في ذلك قوانيين السجون. هناك صمت مطبق حول إقرار سمو أو علوية الإتفاقيات الدولية لحقوق الانسان على القوانين المحلية.
صمت قد يكون سببه حقيقة انه في بلاد العرب والإسلام المعايير الدوليه لحقوق الانسان لطالما تم تصنيفها كمنتج غربي لايلائم خصوصية المجتمعات المسلمه المحافظه. تلك حجة لطالما استخدمها الطغاه للهروب من المحاسبه عن إنتهاكات حقوق الانسان وراء القظبان. فهل هي ظِلال دكتاتوريه دينيه وعسكريه تلوح بألافق؟ هذا لعمري لا يُبشر بالخير و إنه وبحق يهدد حلم بناء نظام عداله جنائيه قائم علي مبادئ حقوق الانسان؟ بهذه الروح يمكننا ان نستشعر الخطر ونبرر القلق والتسأولات حول متى يحين وقت التغيير وعن مدى سلطات الكهنوت الديني والرب العسكري التي قد تأخر ألإصلاح الجنائي او لاتعطيه اهميه. فهل نترك الامر لمن يرى ان الاولويه اليوم هي حفظ الامن او نتركه لإجتهاد المجتهدين مستدلين بالمقاصد العامه للشريعه ومايقال عن حفظ النفس وحسن معامله الاسرى؟ ان هذا الوضع لعمري ناقوس خطر فهل يعقل ان تعمل مؤسسات الدوله العقابيه وفق الارداه السياسيه للحكام اولتفسيرات رجال الدين للنصوص المقدسه.
ان معاملة السجينات هو ميدان يظل الرأي فيه في تطور مستمر فمن سيعطي الرائ في ليبيا الجديده هل هم صناع القرار الذكور او ياترى رجال دار الافتاء فالخياران كلاهما سيقود سجن النساء ليكون مكان مخصص لإيواء ليس فقط المجرمات بل ايضا من مارست حرية التعبير عن الرأي ,من خالفت شرع الله بنسخته الجديده المعدله وفق اهواء هذا وذاك ,من خرجت عن طاعة الزوج او إنحرفت عن قواعد السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد ولو كانت تحت سن الرشد. ولا مبالغه في ذلك وخير دليل وضع مؤسسات الرعايه الاجتماعيه في بنغازي وطرابلس وهي مؤسسات قائمه يمكن التحقق من اهدافها المعلنه واولها حماية المجتمع من خلال حجز حريه السيدات والفتيات المتبرء منهن من قبل عوائلهن. المشهد العام لحقوق الأنسان في ليبيا يتردي بشكل مخيف ومقلق ، الصراع السياسي والكيفيه التي يُستخدم بها الدين قد تقتل اي افكار إصلاحيه في المهد. إن إستمرار الصمت قد يقود لنتائج وخيمه في عدة قطاعات ليس فقط القطاع السجني . اميمه خطاب