استبعاد حل مجلس النواب في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
استبعاد حل مجلس النواب في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 |
بقلم الدكتور عدنان عاجل عبيد
لم يرد ذكر حل مجلس النواب في دستور 2005 الا في المادة 64 التي نصت على انه ( أولاً : يُحل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه بناء على طلب من ثلث اعضائه ، او طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية ، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء ، ثانياً : يدعو رئيس الجمهورية ، عند حل مجلس النواب ، الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة اقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل ، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلاً ويواصل تصريف الامور اليومية ) .
من تحليل النص المذكور نجد ان :
1. ان طلب الحل يقدم من جهتين الأولى : ثلث عدد أعضاء مجلس النواب والثانية : طلب من رئيس مجلس الوزراء على أن يقترن بموافقة رئيس الجمهورية .
2. إن صاحب الكلمة الفصل والقرار النهائي في الحل هو مجلس النواب اذ ينبغي أن يصوت على إجراء الحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه .
3. لا يجوز حل المجلس إثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء .
4. تُعد الحكومة مستقيلة عند حل مجلس النواب وتتحول الى حكومة تصريف اعمال .
ويبدو ان المشرع قد تبنى نظام الحل الذاتي القائم على حل البرلمان لنفسه ، ولكننا نعتقد ان المشرع قد عرض نموذجاً فريداً من نوعه يختلف عن جميع الانظمة السابقة التي تناولناها ، ولا نقر بان هذا النموذج هو اتجاه جديد في انظمة الحل بقدر ما هو عرض خجول او محاولة للاقناع بامكانية حل مجلس النواب . ان حل مجلس النواب بمقضى دستور 2005 مستبعد من الناحية العملية لاسباب جمة تتعلق بصعوبة تقديم طلب الحل ، وانتفاء مصلحة السلطة التنفيذية من الحل وصعوبة التصويت عليه ، وتعارضه مع مكاسب النواب وسنتولى شرح تكلم الاسباب تباعاً .
السبب الاول : صعوبة طلب الحل :
بمقتضى المادة (64) سالفة الذكر يقدم طلب الحل من جهتين الاولى ثلث اعضاء مجلس النواب والثانية من رئيس مجلس الوزراء على ان يقترن بموافقة رئيس الجمهورية .
أما بشأن طلب الحل من ثلث اعضاء مجلس النواب فبالرغم من الازمات الدستورية والسياسية والامنية التي عصفت بالبلاد خلال الدورة الانتخابية الاولى التي بدأت في حزيران 2006 ، وانتهت في اذار 2010 ، فلقد غابت الرغبة واختفى الاتجاه داخل مجلس النواب للاقدام على حله والاحتكام الى رأي الشعب ، إلا اللهم من بضعة نواب لا يتجاوز عددهم عدد الاصابع .
وفيما يتعلق بطلب رئيس مجلس الوزراء المقترن بموافقة رئيس الجمهورية فيتبدى ان المشرع قد اضعف سلطة رئيس الحكومة في هذا الاطار بايقاف طلبه على موافقة رئيس الجمهورية .
ولعمري ان الدستور قد اخذ بيد ما أعطاه بيده الأخرى ، فمنصب رئيس الجمهورية في دستور 2005منصب فخري ليس له من الفعل شيء ، ولهذا لا يكون رئيس الجمهورية طرفاً في المشكلة التي تدفع رئيس الحكومة الى طلب الحل .
ولو طالعنا دساتير الدول التي تأخذ بنظام الحل الوزاري نجد ان رئيس الدولة ينصاع لرغبة الوزارة اذا ما طلبت الحل لأنها الادرى بالمصلحة المتوخاة من هذا الاجراء كما رأينا في انكلترا . علاوة على ذلك تصل صعوبة موافقة رئيس الجمهورية الى درجة الاستحالة في الدورة الانتخابية الاولى والذي يمارس فيها مجلس الرئاسة المكون من ثلاثة اعضاء صلاحيات رئيس الجمهورية بالاجماع والاجماع بالموافقة على طلب الحل غير ممكن في ظل التجاذبات السياسية بين الاطراف المكونة للبرلمان والحكومة .
ولهذا نقترح ان يقدم طلب الحل من رئيس مجلس الوزراء على ان يكون ملزماً لرئيس الجمهورية ، كيما يقدم على حله تماشياً مع الانظمة البرلمانية التي تأخذ بنظام الحل الوزاري .
السبب الثاني : انتفاء مصلحة السلطة التنفيذية من اجراء الحل :
تكمن الفائدة المتحققة للسلطة التنفيذية من الحل وغالباً ما تكون انهاء ازمة قائمة مع البرلمان ، اذ يحتكم الى رأي الشعب ، فأما يميل الى الحكومة ويأتي باغلبية مؤيدة لها او يركن الى البرلمان المنحل ويختار اغلبية مشابهة لسابقتها ، وفي كلتا الحالتين تبقى الحكومة قائمة ولا يرتبط وجودها بقرار الحل .
الا ان المشرع العراقي في دستور 2005 قد جاء بحكم اشبه بالدم المسفوح على ثوب ابيض ، اذ ربط بين انهاء ولاية البرلمان بالحل واستقالة الحكومة ، فأعتبر مجلس الوزراء مستقيلاً يمارس تصريف الاعمال اليومية لحين انتخاب مجلس نواب جديد تنبثق منه حكومة جديدة .
ولعمري ان هذا الاتجاه يثير الاستغراب عن الجدوى التي تتوخاها السلطة التنفيذية فيما لو طلبت الحل ، اذ ان الاقدام على الحل يعني اقالتها فيصبح حالها كحال التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً ، وبذلك رسم لمشرع وجهاً مشوهاً لنظام الحل ، فبدلاً من ان يكون وسيلة لانهاء ازمة مع البرلمان تحول الى اداة لاسقاط الحكومة ، ولهذا من المستبعد ان تلجأ السلطة التنفيذية لطلب الحل .
ومن الجدير بالالماع اليه ان المادة (64) قد منعت حل مجلس النواب اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء . ونعتقد ان الحكم المذكور يعد لغوا ً لا موجب له ، اذ ليس من المتصور ان يصوت البرلمان على حل نفسه وهو يستجوب رئيس مجلس الوزراء! ، ويعد الحكم المذكور صحيحاً ومبرراً فيما لو كان قرار الحل بيد السلطة التنفيذية لا بيد مجلس النواب .
السبب الثالث : صعوبة التصويت بالاغلبية المطلقة على الحل :
الاغلبية المطلقة هي اكثر من نصف العدد الكلي لاعضاء مجلس النواب ، مما يعني ان الاغلبية المطلقة لمجلس النواب خلال الدورة الانتخابية الاولى البالغ عدد اعضائها (275) هي (138) صوت ، وخلال الدورة الانتخابية الثانية البالغ عدد اعضائها 325 عضو هي (163) صوت . وقد اوجب الدستور التصويت على الحل بالاغلبية المطلقة ، ونعتقد ان هذه الاغلبية الموصوفة مبالغ في اشتراطها لصعوبة تحققها مع ظاهرة الغياب المتكرر لعدد غير قليل من الاعضاء بالاضافة الى اعتياد الكتل البرلمانية على الانسحاب من جلسات المجلس اذا لم يروق لها ما يدور من موضوعات في الجلسات .
السبب الرابع : فقدان المكاسب المتحققة من العضوية في مجلس النواب :
ان ايكال امر حل مجلس النواب بقرار منه وانهاء ولايته قبل حلول اجلها ، يجعل الكثير من الاعضاء يفكر في فقدان المكاسب المادية والعضوية التي تقررها العضوية في المجلس والذي وصلت الى درجة عالية من المبالغة والاسراف لينبري لها المنتقدون بالنقد من كل صوب واتجاه .
ان تفعيل نظام حل البرلمان في العراق يقتضي اعتناق نظام الحل الوزاري القائم على طلب الوزارة الملزم لرئيس الدولة ، كما ينبغي على المشرع العراقي ان يهجر فكرة ربط انهاء ولاية البرلمان باستقالة الحكومة لانه يتنافى مع الغرض الأساسي من نظام الحل ، وعلى هذا الأساس نقترح ان يعدل نص المادة (64) على النحو الاتي :
أولاً : يُحل مجلس النواب ، بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء ، ولا يجوز طلب الحل أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء .
ثانياً : يدعو رئيس الجمهورية ، عند حل مجلس النواب الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل .
هذا الاقتراح إلقاء لحجر صغير في ماء راكد نامل ان تهمس وقعه لجنة التعديلات الدستورية .