دور المؤسسات الخاصة ذات النفع العام في تأسيس الجامعات والكليات ومعاهد الدراسات العليا الاهلية .... بين قانونين !
دور المؤسسات الخاصة ذات النفع العام في تأسيس الجامعات والكليات ومعاهد الدراسات العليا الاهلية |
-معهد العلمين للدراسات العليا إنموذجاً-
بقلم الاستاذ المساعد الدكتور علي سعد عمران
رئيس قسم القانون /معهد العلمين للدراسات العليا
يعد الحق في التعليم من حقوق الانسان الثقافية الثابتة والتي تنص عليها المواثيق الدولية والدساتير الوطنية ومنها الدستور العراقي لعام 2005 الذي أورد في المادة (34) منه بأن (أولاً- التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة ، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية ، وتكفل الدولة مكافحة الامية . ثانياً- التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله.) ، وذلك لما للتعليم من دور هام في بناء شخصية الانسان والمجتمع وبالتالي الدولة . وإزاء تخلي الدولة العراقية عن المذهب الاشتراكي كمذهب اقتصادي ومنهج سياسي وافساح المجال أمام النشاط الفردي في قطاعات الحياة ، لذا تم الاعتراف دستوريا بحق الانسان العراقي باللجوء الى التعليم الخاص والاهلي فنصت المادة أعلاه في بندها (رابعاً) على ان (التعليم الخاص والاهلي مكفول وينظم بقانون.) وهذا النص الدستوري يتضمن شقين الاول ويتمثل في حق الانسان بالتعلم على نفقته الخاصة في مؤسسات تعليمية خاصة وأهلية ، والثاني حق الاشخاص الطبيعية والمعنوية في إنشاء مؤسسات تعليمية خاصة لتقديم الخدمة التعليمية للأفراد بوصفها جزءً من القطاع الخاص ومساعدة للتعليم الحكومي بمستوياته كافة ورديفة له ، وليكون هذا القطاع مساهما في نهضة علمية وثقافية للدولة العراقية على أن يعمل في حدود ماتقضي به النصوص القانونية النافذة . ولقد وضع المشرع الدستوري واجباً على مجلس النواب العراقي ، بوصفه السلطة المختصة بتشريع القوانين الاتحادية، بأن يصدر قانوناً ينظم به هذا الحق المذكور في أعلاه ، وفي نطاق التعليم العالي وجد النص الدستوري في أعلاه تطبيقاً له –وان كان متأخراً بعض الشيء- ففي يوم 1/9/2016 أصدر رئيس الجمهورية قراره بالرقم 28 بإصدار قانون التعليم العالي الاهلي بالرقم 26 لسنة 2016 ، والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4416) في 19/9/2016 ليحل بذلك محل قانون الجامعات والكليات الاهلية رقم 13 لسنة 1996 وليلغي ايضاً قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 17 لسنة 1997 ، كما صرحت بذلك المادة (56) من القانون الجديد .
والنقطة الجوهرية هنا تتمثل بالتساؤل عن التحديد القانوني للأشخاص المعنوية التي يحق لها قانوناً ان تؤسس هكذا مؤسسات تعليمية ؟ لان هناك بعض الجامعات والكليات ومعاهد الدراسات العليا الاهلية-كمعهد العلمين للدراسات العليا- قد بدأ تأسيسها في ظل القانون السابق من قبل بعض الاشخاص المعنوية الخاصة فكيف ستكتسب المشروعية القانونية في مجال عملها ؟ .
ان الاجابة عن التساؤل المتقدم يتطلب منا ان نعرض للأشخاص القانونية التي يحق لها التأسيس في ظل القانون السابق ونظيراتها في القانون الجديد.
أولاً : جهات التأسيس في ظل قانون 13 لسنة 1996 (الملغي) : بين القانون في المادة (5) منه بأنه (أولاً- يمنح مجلس الوزراء بناء على اقتراح مسبب من وزير التعليم العالي والبحث العلمي اجازة تأسيس الجامعة أو الكلية الاهلية :
-للنقابات المهنية المعنية بالعلم والتربية والثقافة .
-للجمعيات العلمية.
-للمؤسسات الخاصة ذات النفع العام المعروفة باهتمامها العلمي أو الثقافي أو التربوي.) .
ثالثاً- لأعضاء الهيئة التدريسية من حملة شهدة الدكتوراه أو ممن هم بمرتبة استاذ مساعد في الاقل ... لايقل عددهم عن (9) تسعة ...) .
ثانياً: جهات التأسيس في ظل قانون 25 لسنة 2016 : ورد في المادة (4) منه جهات تأسيس تختلف قليلا عن القانون السابق ، اذ اشارت المادة الى (أولاً- لمجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وبعد استكمال كافة متطلبات التأسيس منح اجازة تأسيس الجامعة أو الكلية أو المعهد الاهلي لأي من الجهات الاتية :
أ-حملة شهادة الدكتوراه....
ب-الجمعيات العلمية أو النقابات المهنية ذات الاختصاصات العلمية والتربوية والثقافية على ان تستوفي الشروط المذكورة في الفقرة (أ) من البند اولا من هذه المادة.) .
وهذا يعني ان القانون الجديد لايجيز للمؤسسات الخاصة ذات النفع العام المعروفة باهتمامها العلمي أو الثقافي أو التربوي من تقديم طلبات التأسيس لجامعات أو كليات أو معاهد دراسات عليا اهلية .
والسؤال الذي يطرح هنا هو : ما الحل فيما لو كانت قد حصلت هكذا مؤسسات خاصة على اجازة مجلس الوزراء-كما هو الحال مع معهد العلمين للدراسات العليا- قبل صدور القانون الجديد ؟ .
لابد لنا من القول بان القاعدة العامة المسلم بها في علم القانون تتمثل بان القانون لايسري الا باثر مباشر أي من تاريخ صدوره ، فالقانون لايسري باثر رجعي ، فهو لايحكم ولايطبق الا على الوقائع التي ستقع بعد نفاذه . والقاعدة المتقدمة نص عليها دستورنا الحالي في المادة (19/تاسعاً) بالقول (ليس للقوانين اثر رجعي...) ، وعلى ذلك فان عدم النص على جواز ان تكون المؤسسات الخاصة ذات النفع العام من ضمن جهات التأسيس لأي مؤسسة تعليمية أهلية الوارد في نص المادة الرابعة من القانون رقم 25 لسنة 2016 لن يسري على المؤسسات الخاصة التي كانت قد حصلت على اجازة مجلس الوزراء لتأسيس جامعات أو كليات أو معاهد دراسات عليا اهلية –كحالة معهد العلمين للدراسات العليا- . فهذه تبقى محتفظة بحقها المكتسب في ظل القانون القديم رقم 13 لسنة 1993 . وقاعدة عدم سريان القانون الجديد على مثل هكذا مؤسسات من حيث جهات التأسيس اكدها القانون ذاته في المادة (58) التي نصت على ان (ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية) .
وهنا نتساءل ايضاً عن الية التعامل من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع هذه المؤسسات الخاصة التي لها حق مكتسب في ظل أحكام القانون الجديد؟ .
أوضحت المادة (57/ثانيا) من القانون الجديد حل السؤال المتقدم بالنص على ان (تتولى الوزارة اصدار تعليمات لتكييف أوضاع الجامعات والكليات ومعاهد الدراسات العليا والمجازة بقرار من مجلس الوزراء قبل صدور هذا القانون.).
وهذا يعني ان الوزارة هي المسؤولة قانونا عن تكييف (تصحيح) أوضاع الجامعات والكليات ومعاهد الدراسات العليا أياً كانت الجهة المؤسسة لها ومنها تلك التي اسستها هذه المؤسسات الخاصة ذات النفع العام -معهد العلمين للدراسات العليا- وذلك تأكيدا لحقها المكتسب في ظل أحكام القانون القديم الذي لم تلجأ الى الغش والتدليس في سبيل الحصول عليه والذي سيظل سارياً في ظل احكام القانون الجديد ، وهذا هو الحل القانون السليم والذي يتفق مع روح العدالة .
وقد يثير البعض سؤالاً مفاده : كيف يحق لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان ترجع بتكييف وتصحيح وضع حدث في الزمن الماضي وقبل نفاذ القانون الجديد ، فكيف يتسنى للوزارة ان ترجع اثر القانون الى الماضي وبقرار منها؟ .
في معرض الاجابة نقول بان الادارة (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي) يجب ان تعمل وفق حدود القانون ولايجوز لها ان تتجاوزه أو تتعداه والا كان قراراها خاطئ مستحق الالغاء ومثيراً لمسؤوليتها القانونية وحتى السياسية ، لكن قيام الوزارة بتكييف الاوضاع المنوه عنها نقطع باليقين انه صحيح ولايثير مسؤوليتها القانونية ولا السياسية حتى وان عالجت اوضاع ومراكز قانونية سابقة وباثر رجعي وذلك لوجود سندين هامين وهما : الاول الدستور نفسه الذي قضى بجواز ان يرجع اثر القانون الى الماضي ليحكم وقائع وحوادث قبل نفاذه ، فالمادة (19/تاسعا) مارة الذكر تشير وبوضوح الى ان (ليس للقوانين اثر رجعي مالم ينص على خلاف ذلك..) وهذا يعني انه من الممكن ان يرجع اثر القانون الى الماضي وذلك في الحالة التي ينص فيها القانون على جواز ذلك . الثاني يتمثل بنص المادة (57/ثانياً) ذاتها التي تشير وبوضوح الى وجود إلزام قانوني على الوزارة بتكييف أوضاع الجامعات والكليات ومعاهد الدراسات العليا –كمعهد العلمين للدراسات العليا- التي تأسست سابقا ومنها تلك التي اسستها المؤسسات الخاصة ذات النفع العام والتي حصلت على اجازة تأسيس بقرار من مجلس الوزراء وذلك قبل صدور القانون الجديد رقم 25 لسنة 2016 .
يترتب على ماتقدم بان وجود مؤسسات تعليمية ومعاهد دراسات عليا اهلية –كمعهد العلمين للدراسات العليا- في العراق اُقيمت وأُنشئت من قبل مؤسسات خاصة ذات نفع عام وحصلت على اجازة مجلس الوزراء في ظل أحكام قانون 13 لسنة 1996 (الملغي) ، يعد وضعا قانونيا سليما وما على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سوى تكييف أوضاعها لتتماشى مع التنظيم القانوني الجديد .
وبالتالي لاتعد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي محلاً للمسؤولية القانونية والسياسية عن تصرفها الاداري السليم المتقدم ذكره المتمثل بمعالجة أوضاع معهد العلمين للدراسات العليا، ويبقى هذا المعهد وغيره من الجامعات والكليات الاهلية متمتعا بالشرعية الدستورية والقانونية لطالما بقي يعمل في نطاق القانون وفي حدود التعليمات الوزارية النافذة كما أشارت الى ذلك المادة (10) من القانون 25 لسنة 2016 ، وتحت رقابة وإشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ممثلة بمجلس التعليم العالي الاهلي الذي يعد أعلى هيئة علمية وإدارية مهمتها الاشراف على التعليم الاهلي برمته وفق المادة (12/أولاً) من القانون الجديد.