هل يمكن إنهاء العلاقة الإيجارية لمرآب ملحق بمأجور سكني؟
هل يمكن إنهاء العلاقة الإيجارية لمرآب ملحق بمأجور سكني؟ |
المحامي عارف الشعَّال
الوقائع:
عُرض على القضاء دعوى إنهاء علاقة إيجارية لمأجور سكني خاضع للتمديد الحكمي، ملحق به مرآب سيارة يحمل رقم مقسم مستقل عن المنزل السكني في السجل العقاري، مقابل 40% من الثمن.
عارض المستأجر بشدة إنهاء عقد إيجار المرآب ودفع بأنه غير مخصص للسكن وأنه مقسم مستقل عن المنزل وبالتالي لا ينطبق عليه نص المادة التي تسمح بإنهاء العلاقة الإيجارية.
بالنتيجة قضت محكمة الصلح بإنهاء العلاقة الإيجارية للمنزل والمرآب معاً مقابل مبلغ يعادل 40% من ثمنهما، بحسبان أن المرآب يؤجر بشكل متلازم مع الشقة السكنية.
موقف محكمة النقض:
طعن المستأجر بالقرار فنقضت محكمة النقض الحكم بحيثيات مفادها:
إن الدعوى تستهدف عقارين كل منهما مستقل عن الآخر (منزل - مرآب) ولكل عقار مركزه القانوني، المختلف تماماً عن الآخر،
وحيث أن الحق المدعى به يختلف بالنسبة لكل عقار عن الآخر ولا يربطهما أي رابط في إنهاء العلاقة الإيجارية، وبالتالي لا يجوز الجمع بين الحقين بدعوى واحدة مع اختلاف المستند القانوني لكل منهما.
وحيث أن العقارات المستخدمة لغير السكن كالمرائب لا يحق لمالكيها طلب إنهاء العلاقة الإيجارية لها لأن القانون حصر هذا الحق بالعقارات المؤجرة لغاية السكن فقط.
وانتقدت محكمة النقض اتجاه محكمة الصلح لاعتبار أن المرآب يؤجر بالتلازم مع الشقة، معتبرة أن محكمة الدرجة الأولى تجاوزت القانون، وخلقت من عندها دليل للمدعي! لأن المرآب لا يمكن استعماله للسكن وله رقم مقسم مستقل في السجل العقاري ولا يشير أنه تابع للشقة موضوع الدعوى ولا ينفصل عنها.
عودة القضية لمحكمة الصلح:
عادت الدعوى منقوضة وسجلت مجدداً أمام محكمة الصلح المدنية السادسة بدمشق،
قد يتبادر للذهن للوهلة الأولى أن قاضي الصلح بحكم خبرته القليلة بالقضاء أمام خبرة قضاة محكمة النقض المتمرسين ذوي البأس الشديد، كونه مازال بأول عهده في هذا السلك الجليل، سيخرُّ خاضعاً أمام قرار محكمة النقض متبعاً له بدون نقاش، لأن عدم اتباع محكمة الموضوع للقرار الناقض يعتبر من الخطايا المهنية الجسيمة في القانون كما هو معلوم، لا سيما أمام سطوع عبارات القرار الناقض من أن المرآب لا يقبل إنهاء العلاقة الإيجارية، وأنه لا يوجد في الصحيفة العقارية ما يدل أنه تابع للشقة بحسبان أن له رقم مقسم مستقل.
ولكن المفاجأة المذهلة كانت خلاف ذلك !!!!!
ففي خطوة جريئة، مذهلة، نادرة، ذكية، قلما يفعلها مستشارو محكمة استئناف، فما بالك بقاضي محكمة صلح حديث العهد بالقضاء، خالفت محكمة الصلح القرار الناقض، وأصرَّت على قرارها معتبرة المرآب تابع للمنزل السكن ويخضع لإنهاء العلاقة الإيجارية، متكئاً على أدلة يقينية استنبطها من وثائق الدعوى مثل حكم تخمين بين الطرفين منصب على الشقة والمرآب معاً، وأن المستأجر كان يدفع أجرة المرآب بواقع 5% من قيمة المأجور أي وفق نسبة الإيجار السكني، إضافة لبيان من مديرية المالية يؤكد عدم دفع أية ضريبة دخل عن المرآب تسير إلى استخدامه بفعالية تجارية أو غيرها، وغير ذلك من الأدلة، فأصرت محكمة الصلح على قرارها المنقوض لقناعتها بأنه من غير المعقول أن يعبث المشرع ويرفع الحماية عن المستأجر ويبقيها على سيارته، مغرّدة حيثيات خلابة، نقتطف منها القوافي الجذلة التالية:
((إن تأجير المرآب لوحده لا يتوافق مع المنطق، بل يؤجر تلازماً الشقة السكنية))
((العبرة في تحديد ملحقات المأجور ليست لقيود السجل العقاري وإنما لما اتجهت إليه إرادة أطراف العقد في ذات العقد))
((بما أن التابع تابع، والتابع لا ينفرد بالحكم، فإن المرآب لا ينفرد بحكمه عن الشقة السكنية ويعد تابعاً لها ولا يمكن نفي الصفة السكنية عنه))
((طالما أن المشرع في المادة 2 من القانون 6 لعام 2001 استعمل عبارة "المأجور للسكن" ولم يقل "العقار السكني" ما يعني أن العبرة هي لوجه الاستعمال المتفق عليه بين الطرفين وليس لوصف العقار في السجل العقاري))
((إن غاية المشرع من سنّ قوانين الإيجار الاستثنائية هي حل أزمة السكن في ظل الظروف التي كانت سائدة عندما سُنَّت تلك القوانين، فأسبغ الحماية على المستأجر بإخضاع العقد للتمديد الحكمي والتحديد القانوني للأجرة،
وبصدور القانون رقم 6 لعام 2001 أراد المشرع إيجاد نوع من التوازن بالمصالح بين المستأجر لغاية السكن والمالك، فرفع الحماية عن هذا المستأجر تقديراً منه بأن أزمة السكن خفت وطأتها.
ومن غير المعقول أن يرفع المشرع الحماية عن المستأجر ويبقيها على سيارته، فيخرج المستأجر من العقار ويبقي سيارته في المرآب محمية، لأن المشرع منزه عن العبث واللغو))
((من الممكن أن يكون وصف العقار في السجل العقاري أنه سكني ويكون القصد استعمال المأجور لغاية تجارية أو صناعية))
وإزاء متانة هذه الحيثيات قامت محكمة النقض بتصديق القرار المذكور بالرغم من مخالفته للقرار الناقض.
ما يستحق التنويه والإشادة فضلاً عن الحيثيات المسبوكة بعناية في القرار، يلاحظ الاتكاء على كم وافر من السوابق القضائية لمحكمة النقض مع الإسناد الأكاديمي المتقن لها، في ظاهرة بتنا نفتقدها في غالبية القرارات التي تصدرها المحاكم.