عناصر واركان جريمة الاحتيال
{ سلسلة قانونية - جنائية - توعوية }
بحث ودراسة عناصر واركان جريمة الاحتيال |
( 24 ) جريمة الاحتيال :
تعد جريمة "الاحتيال" أو كما سماها بعض المشرعين العرب " النصب " من اخطر الجرائم الواقعة على الاموال أو على حق الملكية ، لذا فهي من الافعال التي حرمها الله سبحانه وتعالى ، لأنها تقوم على أكل اموال الناس بالباطل ، قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم )) ، وكذلك من الافعال التي جرمها المشرع اليمني وعاقب على ارتكابها في نص المادة (310) من قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لعام 1994م ، إذ جاء فيها : " يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من توصل بغير حق الى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية ( نصب ) أو اتخذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة "
ونظرا لخطورة هذه الجريمة وانتشارها في اليمن ، وبهدف التوعية بجوانبها القانونية الجنائية ، سوف اقوم بتعريفها وتحديد اركانها وبيان عقوبتها بشكل موجز ، وذلك في الآتي :
اولا : تعريف جريمة الاحتيال :
يقصد بهذه الجريمة استيلاء أي شخص ومن دون حق على مال مملوك للغير ، سواء كان مالا منقولا أو غير منقول ، وبنية تملكه أو الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره ، وذلك باستعماله طرق احتيالية أو إتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة من شأنها خداع المجني عليه وحمله على تسليم المال له ..
- بحث أوجه التشابه والاختلاف بين جرائم خيانة الأمانة والسرقة والاحتيال
- نموذج وصيغة لائحة شكوى في احتيال بيع عقار مرتين
وجريمة الاحتيال تتطلب مجهودا ذهنيا يبذله الجاني لإخضاع ارادة المجني عليه لإرادته . فالمجني عليه في هذه الجريمة - سواء كان ساذجا أو متوسط الذكاء أو شديد الذكاء - قد وقع تحت تأثير طرق الاحتيال أو اساليب الخداع التي استعملها الجاني معه ، أي أنه وقع في الغلط فسلم ماله للجاني المحتال .
ثانيا : اركان جريمة الاحتيال :
تقوم هذه الجريمة بتوافر ثلاثة اركان ، هي :
أ - الركن المادي : ويتكون من الآتي :
1- الفعل :
أي السلوك الذي يقوم به الجاني ، والمتمثل باستعماله الطرق الاحتيالية أو اتخاذه اسم كاذب أو صفة غير صحيحة ، من شأنها خداع المجني عليه وحمله على تسليمه المال .
وقد حدد المشرع اليمني في نص المادة (310) من قانون الجرائم والعقوبات - اﻵنف ذكره - الوسائل التي يقوم بها فعل الاحتيال على سبيل الحصر ، وهي :
- الطرق الاحتيالية :
وهي طرق عديدة ومتنوعة يصعب حصرها ، وتقوم على الكذب المدعم بمظاهر خارجية . والكذب يعني الإدعاء بامر يخالف الحقيقة . أما المظاهر الخارجية فهي مادية ومستقلة عن الإدعاءات الكاذبة الصادرة عن الجاني ، ويقوم دورها على تعزيز الثقة لدى المجني عليه بتلك الإدعاءات . وهذه المظاهر الخارجية كثيرة ومتنوعة يصعب حصرها أيضا ، فقد تكون في هيئة اشخاص ، أي أن يستعين الجاني بشخص ثالث لتدعيم مزاعمه أو ادعاءاته الكاذبة بأية وسيلة أو أن يستغل الجاني صفته الخاصة الحقيقية بشكل سيء كأن يكون تاجرا أو رجل دين أو محاميا أو طبيبا أو مهندسا أو مسؤولا حكوميا أو موظفا عاما في مؤسسة أو مرفق حكومي ... الخ تحمل على ثقة المجني عليه به وتصديق اقواله ، ومن ثم ايقاعه في الغلط وحمله على تسليمه المال ، كما قد تكون تلك المظاهر الخارجية في صورة أشياء أو اعمال عديدة ومتنوعة يصعب حصرها ، وهذه الأشياء او الاعمال مادية في طبيعتها ، فقد تكون وثائق معينة أو سندات مكتوبة أو أشياء مادية غير مكتوبة أو اعمال مادية أيا كانت من شأنها أن تدعم الكذب الذي يدعيه الجاني ليبدو صادقا .
- إتخاذ اسم كاذب :
ويعني أن الجاني قد يتخذ لنفسه اسما غير اسمه الحقيقي بهدف خداع المجني عليه في جريمة الاحتيال . وهذا الاسم الكاذب قد يكون لصاحبه وجودا حقيقيا أو ليس له وجودا أو قد يكون في صورة تبديل جزئي للاسم الحقيقي الكامل للجاني كتبديل لاسمه أو اسم والده أو اسم جده أو تغيير في لقب العائلة ... الخ
- اتخاذ صفة غير صحيحة :
أي أن يدعي الجاني بأنه تاجرا او رجل اعمال أو مسؤولا حكوميا أو مهندسا أو طبيبا أو محاميا أو له صلة قرابة بشخص ما ... الخ وهو ليس كذلك ، بهدف خداع المجني عليه وحمله على تسليمه المال أو لغرض الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره .
2- النتيجة الاجرامية :
وهي احدى مكونات الركن المادي للجريمة . وفي جريمة الاحتيال تتحقق بحصول الجاني من دون حق على فائدة مادية لنفسه أو لغيره أو مال من خلال استعماله لأية من طرق الاحتيال أو اتخاذه اسم كاذب أو صفة غير صحيحة من شأنها خداع المجني عليه وحمله على تسليمه المال تحت تأثير الغلط الذي اوقعه فيه .
3- الرابطة السببية :
وهي العنصر الثالث الذي يتكون منه الركن المادي للجريمة ، وفي جريمة الاحتيال تكون الرابطة السببية بين سلوك الجاني الاجرامي ، المتمثل باستعماله للطرق الاحتيالية أو اتخاذه اسم كاذب أو صفة غير صحيحة ، وبين النتيجة التي ترتبت عن ذلك ، وهي تمكنه من خداع المجني عليه وحصوله على المال منه أو على فائدة مادية لنفسه أو لغيره .
ب - محل الاحتيال :
إن جريمة الاحتيال ممكن أن تقع على أي شيء مملوك للغير ، سواء كان مالا منقولا أو غير منقول ( عقار ) أو أي شيء آخر له قيمة مادية ويصلح تملكه .
ج- الركن المعنوي لجريمة الاحتيال :
إن جريمة الاحتيال تعتبر من الجرائم العمدية التي يتطلب لقيامها توافر القصد الجنائي (العمد) لدى الجاني ، والذي يقوم على العلم والإرادة . بمعنى أن يكون الجاني عالما بالعناصر المادية التي تتكون منها جريمة الاحتيال ، أي يجب أن يعلم بأن سلوكه مخالفا للقانون ويشكل جريمة ، وأنه يستخدم وسيلة احتيالية أو يتخذ لنفسه اسم كاذب أو صفة غير صحيحة بهدف خداع المجني عليه .
وكذلك يجب أن تتجه إرادته إلى ارتكاب ذلك الفعل الإجرامي المكون لجريمة الاحتيال ، وإلى تحقيق النتيجة التي أرادها ، وهي الحصول بالخداع ومن دون حق على فائدة مادية لنفسه أو لغيره أو على المال من المجني عليه .
ثالثا : عقوبة جريمة الاحتيال :
إن العقوبة المقررة لجريمة الاحتيال في نص المادة (310) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني هي الحبس الذي لاتزيد مدته على ثلاث سنوات أو الغرامة .
والقاضي عند تطبيقه لهذا النص وتحديده لنوعية العقوبة أو لمقدارها يجب عليه وفقا لنص المادة (109) من القانون ذاته أن يراعي مختلف الظروف الموضوعية المحيطة بالجريمة ، وكذلك الظروف الشخصية المتعلقة بالجاني ، وغرض العقوبة في تحقيق العدالة ، ومكافحة الجريمة في المجتمع ، واصلاح وتأهيل الجاني كي لايعود مرة أخرى إلى السلوك الاجرامي ..
د.نجيب الجميل