ثقافة حقوقية - أصل نظرية أعمال السيادة
من المعروف أن أعمال السيادة، هي الأعمال التي تمارسها السلطة التنفيذية، وتتمتع بالحصانة من الرقابة القضائية بجميع صورها فلا تكون محلاً للإلغاء أو التعويض أو فحص المشروعية، سواء صدرت هذه الأعمال في ظروف عادية أو استثنائية.
بحث ودراسة أصل نظرية أعمال السيادة |
هذه النظرية أعمال السيادة كمعظم نظريات القانون الإداري الفرنسي هي من صنع "مجلس الدولة" الفرنسي (القضاء الإداري)، ومن المعروف أن هذا المجلس أنشأه "نابليون بونابرت"، بعدما أطاح بالملكية، ولكن بعد الإطاحة بنابليون وعودة الملكية الفرنسية مرة أخرى، اعتُبر "مجلس الدولة" من مخلفات نابليون، فكان موضع ريبة وشك، ولذلك فقد أراد مجلس الدولة أن يدرأ عن نفسه الشبهات، وألا يصطدم بالملكية، وأن يعمل على اتقاء شرها وكسب ودها وثقتها، فحد من صرامة رقابته بنزوله عن بعض اختصاصاته مختاراً،
فتنازل بذلك عن رقابة الكثير من أعمال الحكومة أو السلطة التنفيذية، وقرر بأن هذه الأعمال لا يجب أن تخضع لأية رقابة قضائية، لما يحيط بهذه الأعمال من اعتبارات خاصة، وأطلق على هذه الأعمال اسم أعمال السيادة أو أعمال الحكومة "Les actes de gouvernement"، وجعل من سماتها أن الحكومة تتمتع في خصوصها بحصانة مطلقة ضد أي رقابة قضائية.
وهكذا استطاع مجلس الدولة الفرنسي عن طريق هذا النهج أن يحافظ على نفسه ويحمي نفسه ويقطع كل شك تجاهه.
وقد كان من المفروض بعد سقوط الملكية واستقرار أوضاع مجلس الدولة أن يرجع عن هذه النظرية، خاصة أنه يعلم أنها بمثابة سلاح خطير في يد السلطة التنفيذية، يهدد حقوق وحريات المواطنين، والأخطر من ذلك أنهم لا يملكون حياله أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم، ورغم كل ذلك فقد أبقى مجلس الدولة على هذه النظرية، واحتفظ بها،
وقد تأيدت هذه النظرية من جانب المشرع الفرنسي وذلك بمقتضى المادة 47 من القانون الصادر في 3 آذار 1848 وكذلك المادة 26 من قانون 24 أيار 1872 بشأن تنظيم اختصاصات مجلس الدولة،
ومع ذلك فإن الفقه ينظر إلى هذه النظرية نظرة عداء مستحكم، ويعتبرها بمثابة الثغرة في البناء القانوني للدولة، ونقطة سوداء في جبين المشروعية، لما تمثله من خروج صريح واعتداء صارخ على القانون وتجاهل لأحكامه، ومن ثم عامل هدم وإهدار لحقوق الأفراد وحرياتهم، لذا فإن هناك رغبة شبه جماعية بين الفقهاء بزوالها من عالم القانون، كونها تتعارض مع النظم الديمقراطية التي تحكم خضوع كافة أعمال الإدارة أو السلطة التنفيذية دون تفرقة بينها لرقابة القضاء، لما في ذلك من ضمان وحماية لحقوق الأفراد وحرياتهم.
بشيء من التصرف:
(رمضان محمد بطيخ، الحصانة البرلمانية وتطبيقاتها في مصر، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994، ص 32)