التحايل والالتفاف على القانون
التحايل والالتفاف على القانون |
بقلم المحامي فاروق العجاج
التحايل والالتفاف على القانون هو محاولة اسباغ اسباب وحجج مزيفة على وقائع غير مشروعة وجعلها مشروعة ووقائع غير محقة وجعلها محقة ومنطق غير واقعي وعقلاني إلى منطق واقعي وعقلاني وتقريبها باسبابها وحججها إلى التكييف القانوني المناسب لاحكام القانون لتاخذ منها الصفة الشرعية المنافية في حقيقتها الواقعية مع احكام الشرع والقانون ومبادئ العدل والانصاف ,
وهو ما يدعى بالتحايل او بالالتفاف على القانون هو محاولة لتسخير احكامه لاقرار حالات غير شرعية وقانونية واعطاءها الصفة الشرعية القابلة للتنفيذ على حساب حق الاخرين.
وقد يكون الالتفاف قانونيا ببعض مواده وقواعده حول احكام وقواعد القانون نفسه اواحكام مواد دستورية والمواثيق الدولية. .
وقد يكون التحايل والالتفاف من:-
1- محاولة للتجاوز على الحق الذي منحه القانون بالتعدي على حقوق الاخرين .( التعسف باستعمال الحق) او الاساءة باستعمال السلطة من قبل الموظف المختص,
2- خطأ جسيم في تكييف الحقائق والوقائع الموضوعية بصورة غير سليمة ومنافية لحقيقة الواقع الموضوعي والسند الشرعي نحو تطبيق القانون بصورة مجحفة بحق الاخرين ومخالفة صريحة باحكام العدل والمساواة بقصد او من دون قصد .
3- طرح مشاريع قوانين متناقضة لقضية واحدة بغية تعطيل اصدار قانون خاص بها والالتفاف على اي مشروع خاص بها وتعطيل اصداره او طرح مشاريع تعديل قانون صادر للالتفاف عليه ومحاولة لتعطيل تنفيذه وتحقيق اهدافه لاغراض خاصة ومعينة,
4-استخدام الصلاحيات ضمن الاختصاصات الممنوحة للمسؤولين الرسميين وغير الرسميين ولذوي المهن بصورة مخالفة لاحكام القانون واهدافه الشرعية والانسانية ومن عدم اعطاء الحقوق بصورة عادلة ومنصفة بين مستحقيها او عدم تنفيذها بصورة متجانسة مع حقيقة مضامينها الشرعية والاصولية بحجج غير منطقية وقانونية ذات ابعاد امنية او اقتصادية او اجتماعية ,
5- استخدام طرق قانونية لتمريرمشاريع غير قانونية ذات اهداف غير سليمة كما في غسيل الاموال غير المشروعة وتداولها بواسطة البنوك والمصارف وكانها مشروعة. و طرح مشاريع استثمارات استراتيجية لا تحقق الفائدة للمصلحة الوطنية وقد تكون مضرة على المدى البعيد على الوضع الاقتصادي والسياسي للبلد.
نذكر بعض من الامثلة من الوقائع القانونية والقضائية على منطوق هذا الموضوع وابعاده وتداعياته القانونية واثاره الموضوعية .
1- في التطبيق الجنائي
منع التحايل على القانون هومن المبادئ الاساسية لحماية القانون من اختراقة والتعدي على حقوق المصلحة العامة والافراد والعبث باستقرار الوضع القانوني في البلاد ياتي من منع الشخص من التوصل إلى ما هو محضور وممنوع قانونا باصطناع وضع قانوني غير مطابق للحقيقة الموضوعية ,
كما هو الحال في اخبار المخبر السري عن تاليف واصطناع واقعة قانونية جنائية توجه بها كتهمة ضد شخص معين بريء لا علاقة له بها تكون موجبة لا تخاذ الاجراءات القانونية بحقه لاغراض خاصة وكيدية.
(الالتفاف القانوني في محاولة التكييف القانوني لحقائق الامور).
التكييف القانوني الخاطئ في اي مسالة بقصد او بدون قصد الرامي نحو تغيير التوجه القانوني نحو اعتبار المسؤولية والاستحقاقات القانونية وفق المواد المناسبة لها يعتبرالتفاف حول اصل القواعد القانونية المناسبة لموضوعها بحجج غير واقعية وغير اصولية وحينما تعجزالجهات المختصة من الوصول إلى الحقائق الموضوعية بادلة كافية لا يكون امامها غير التشبث بما هو موجود لتطبيق ما هو مطلوب في صلب القانون المجرد من اي اعتبار بصورة غير واقعية منافيا لاصوله المبدئية بخطا التكييف القانوني والمبالغة فيه الذي يذهب بحياة انسان إلى العدم او إلى ضياع حق لمن لا حق له به.
كما في المثال التالي عن خطاءالتكييف للواقعة القانوني , محاول للالتفاف على القانون قد تؤدي إلى تبرئة المتهم او ادانته خلافا للحقيقة القانونية الواقعية .
اسم المحكمة : محكمة التمييز الاتحادية - الهيئة الموسعة
أن اعتراف المتهم أمام المحقق وقاضي التحقيق بقيامه بكسر أقفال المحل والقبض عليه وهو داخل المحل ليلا وبحوزته المقص الحديدي أدلة كافية ومقنعة لتجريمه وفقا للمادة 443 / 4 / 31 من قانون العقوبات بدلالة قرار مجلس قيادة الثورة ذي الرقم 1631 في 30 / 10 / 80
القرار : ـ
لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيئة الموسعة في محكمة التمييز وجد أن محكمة جنايات الرصافة لم تتبع ما جاء بالقرار التمييزي الصادر بتاريخ 25 / 2 / 1990 بعدد 300 / جزاء ثانية / 990 القاضي بنقض قرار محكمة جنايات الرصافة الذي قضى بإلغاء التهمة والإفراج عن المتهم ر . ح . وإعادة الأوراق لإجراء محاكمته مجددا وتجريمه وفق مادة الاتهام إلا أبعد من ذلك وأصرت على قرارها المنقوض وقررت براءة المتهم من التهمة المسندة إليه وحيث أن المحكمة لم تكن على صواب في إصدارها القرار المذكور لأن الأدلة التي أظهرتها وقائع الدعوى والتي تكمن في اعتراف المتهم الصريح أمام المحقق وقاضي التحقيق بقيامه بكسر أقفال المحل والقبض عليه وهو داخل المحل ليلا متلبسا بجريمة السرقة وبحوزته المقص الحديدي . وفي محضر كشف الدلالة ومحضر الكشف على محل الحادث الذي تبين منه بعد إلقاء القبض على المتهم مباشرة بأن القاصة الحديدية التي كانت داخل المحل والنقود التي وجدت فيها مبعثرة داخل المحل وعليه فإن الأدلة كافية ومقنعة لتجريم المتهم وفق مادة الاتهام والحكم عليه بموجبها وأما ذهاب المحكمة في إصدار قرارها ببراءة المتهم بخلاف ما تقدم واستنادا لما ورد في أقوال المتهم وشهادات شهود دفاعه للتي وردت متأخرة من أن المشتكي والمتهم شركاء في المحل وأن المشتكي هو الذي أوعز إلى المتهم للذهاب ليلا إلى المحل ليقوم بكسر أقفال المحل والدخول إليه ثم كسر القاصة الحديدية بغية الاستحواذ على ما في القاصة من النقود أمر غير صحيح وعار عن الصحة لا يقبله المنطق ولا يسنده الواقع لذلك قرر نقض كافة القرارات الصادرة في الدعوى وإعادة أوراق الدعوى إلى محكمتها لإصدار أمر القبض على المتهم م . ر . ح . وفق مادة الاتهام ومن ثم إجراء محاكمته مجددا بغية تجريمه وفقا للمادة 443 / 4 / 31 من قانون العقوبات بدلالة قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 1631 في 30 / 10 / 1980 وتحديد عقوبته بمقتضاها واتخاذ سائر القرارات الأخرى المقتضية وصدر القرار بالاتفاق في 27 / صفر / 1411 هـ الموافق 16 / 9 / 1990 .
2 في التطبيقات الادارية
وفي المثال الاتي-
يتضح إن ما ذهبت اليه المحكمة الادارية العليا في مجلس شورى الدولة هو بمثابة الالتفاف على القانون الاعلى وهو الدستور الذي ضمن حق المساواة بين الافراد في الحقوق المدنية كافة منها حق الموظف باقرانه الموظفين من التمتع بحقه في اكمال دراساته العلمية في اي مؤسسة علمية داخل القطر او خارجه وفق شروطها وان لا تكون المؤسسات المنتسب اليها الموظف من إن تضع موانع بعدم الموافقة على السماح له لاكمال دراساته العليا والجامعية لاسباب ادارية لا مبرر لها لاي سبب كان لان ذلك يتعارض –
اولا- مع الحق الشخصي الدستوري للموظف-
ثانيا- إن محاولة اكماله الدراسات العليا باي صنف ونوع كان ومن التخصصات المهنية تكون ذات فوائد تصب في دعم المصلحة العامة ومنها رفع كفائته العلمية والمهنية في اداء واجباته على افضل وجه ممكن وقد يكون عنصرا فعالا في تطوير مؤسسته التي ينتسب اليها او في اي مجال اخر من مرافق الدولة العامة ,
_
(قرار رقم 110/2014
223 /قضاء موظفين/تمييز/2014
المميز : وزير العمل والشؤون الاجتماعية ــ إضافة لوظيفته
المميز عليه : ح. س. م. ع.
القرار :ــ
لدى التدقيق والمداولة من المحكمة الإدارية العليا في مجلس شورى الدولة وجد إن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقررت قبوله شكلاً ، ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد إنه غير صحيح ومخالف للقانون ذلك ان المميز عليه (المدعي) يطعن بامتناع المميز (المدعى عليه) من تزويده بالسيرة الذاتية لغرض تقديمها للقبول في المعهد القضائي وحيث ان المميز (المدعى عليه) بين في كتابه المرقم (2677) في 7/3/2013 عدم الموافقة على التحاق المميز عليه (المدعي) للدراسة في المعهد القضائي لحاجة الدائرة الى الكوادر القانونية وحيث لا يوجد التزام في القانون على الموافقة على التحاق اي من موظفيها في المعهد القضائي اذا كانت بحاجة ماسة الى خدماته ، وحيث ان محكمة قضاء الموظفين قد اصدرت حكمها على غير هذا المقتضى باعتبار ان المدعى عليه قد تعسف في استعمال الصلاحية بعدم ارسال السيرة الذاتية للمدعي وحرمانه من فرصة التقديم لامتحان الكفاءة في المعهد القضائي ، فيكون حكمها غير صحيح لذا قررت المحكمة الادارية العليا نقض الحكم المميز واعادة الاضبارة الى محكمة قضاء الموظفين لمراعاة ما تقدم واصدار الحكم في ضوئه على ان يبقى الرسم المدفوع حتى النتيجة وصدر القرار بالاتفاق في10/جمادى الاخرة/1435 هـ الموافق 10/4/2014 م.)
التعليق
مع تقديرنا العالي لقرار المحكمة الادارية العليا بصدد موضوع الدعوى نرى انها قد خالفت احكام الدستور القاضي بحق المساواة بين المواطنين امام القانون في حقوقهم المدنية منها حق الموظف من اكمال دراساته العليا كسائر اقرانه من الموظفين الاخرين وهو حق مشروع ومحترم لاهميته العلمية التي تخدم المصلحة العامة قبل مصلحة الموظف حصرا مما اعطى قرار المحكمة السماح للادارة من إن تمارس التعسف باستعمال صلاحياتها الادارية بعدم موافقة دائرته من الالتحاق بالمعهد القضائي- وهو نوع من انواع الالتفاف على القانون وتعد سابقة خطيرة تسمح للهيئات الادارية من إن تقف بوجه من يرغب من الموظفين للحصول على موافقات لاكمال الدراسات عليا وحرمانهم من فرصتهم المشروعة قانونا وتقف مانع امام سبل التقدم والتطور لاسباب ادارية اغلبها تقليدية غير منطقية ومعوقة لاي محاولة علمية رصينة ومفيدة ومشروعة
3في شؤون الاحوال الشخصية
كما في المثال التالي-
(لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق:-
1-تأديب الزوج لزوجته …..في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً.
هذه المادة تنتهك حق المرأة في السلامة الجسدية وتهدر كرامتها وآدميتها فهي تسمح للزوج أن يضرب زوجته (لتأديبها) وقد يصل حدود هذا التأديب إلى درجة شديدة من الإيذاء الجسدي والنفسي إذا ما كان العرف السائد في منطقة أو عائلة أو عشيرة الزوج أو الزوجة يسمح بذلك كالضرب بالعصا أو الحزام أو الربط إلى عمود أو شجرة أو الحبس في غرفة مظلمة أو الحرمان من الطعام والى غير ذلك من أساليب ووسائل مايسمى بالتأديب بحسب العرف الذي سيمنع محاكمة الزوج لإباحة القانون له فعل ذلك (بغرض تأديب زوجته).
وهذه المخاطبة التمييزية في القانون تتعارض وأحكام المادة (144) من الدستور العراقي التي تقرر (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس ……), كما أنها تتعارض وأحكام المادة (29) من الدستور العراقي التي تقرر في فقرتها الرابعة (تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع ,
كما أن هذه المادة تشكل انتهاكا للمــــادة (77) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على ” لا يجوز إخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو الحاطّة بالكرامة ” والمادة (2 – ج) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة . وكلا من العهد والاتفاقية قد صادق عليهما العراق بالقانونين (193)لسنة 1970 و (66) لسنة 1986 على التوالي. كما أنها تخالف اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1983 والتي قرر العراق المصادقة عليها.
وهذه الانتقادات تسري على عملية تأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر المنصوص عليها في ذات المادة ونضيف لسلسلة مخالفاتها التشريعية الوطنية الدولية, مخالفتها لاتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق بالقانون رقم (3) لسنة 1994).الدكتورة بشري العبيدي- جامعة بغداد
إن كثرت التحايل على القانون بغية الالتفاف على احكامه وغاياته الاساسية من التشريع اضحت لا تعد ولا تحصى لتحقيق مآرب شتى منها ذات طابع خاص بشخصية المتحايل لغرض الاضرار بسمعة الغير كما في الجرائم الكيدية , ومنها التعسف من استعمال السلطة من قبل الموظف الممنوحة له بموجب القانون , ومنها ذات طابع سياسي ذات اهداف خاصة تشتد في خضم الصراعات والمنازعات السياسية تبرز بشكل واضح داخل البرلمان من خلال طرح مشاريع قانونية معينة للاضرار بمصالح كتل واحزاب وفئات وجماعات معينة لكسب النصر والتفوق خلافا لمقاصد الشرع . ومنها ذات طابع اسري بقصد اضرار الزوجة من قبل الزوج في اقامته دعوى المطاوعة بغية حرمانها من حقوقها الشرعية,
ومنها ذات طابع اداري من التعسف باستعمال السلطة الادارية للاضرار بحق الموظف والحاق الظلم بحقوقه المشروعة بحجج واهية وغير منطقية ومخالفة للشرعية القانونية العادلة, ومنها ذات طابع مالي في فرض رسوم وضرائب مجحفة تزيد من كاهل المواطن بغير سبب مبرر- وغيرها العديد من صور التحايل على القانون ومن مصادر شتى وهي تكاد تشل قدرات اجهزة الدولة في اداء واجباتها ومسؤولياتها كما ينبغي ذلك وفق مسؤولياتها واختصاصاتها
الذي يتطلب معالجة الموضوع باهتمام بالغ بوضع المراقبة الشديدة وعلى مختلف المستويات القانونية والقضائية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة على مستقبل الوضع القانوني في البلاد,